شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[معنى الواو]

صفحة 337 - الجزء 1

  إلخ» فإنّ معناه أنّ عطف النسق هو العطف بالواو والفاء وأخواتهما، واعترضت بعد ذكري كلّ حرف بتفسيره معناه.

  * * *

[معنى الواو]

  ص - الواو وهي لمطلق الجمع.

  ش - قال السيرافي: «أجمع النحويون واللغويون من البصريين والكوفيين على أن الواو للجمع من غير ترتيب» اه.

  وأقول: إذا قيل «جاء زيد وعمرو» فمعناه أنهما اشتركا في المجيء، ثم يحتمل الكلام ثلاثة معان؛ أحدها: أن يكونا جاءا معا، والثاني: أن يكون مجيئهما على الترتيب⁣(⁣١)، والثالث: أن يكون على عكس الترتيب؛ فإن فهم أحد الأمور بخصوصه فمن دليل آخر، كما فهمت المعية في [نحو] قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ}⁣(⁣٢)، وكما فهم الترتيب في قوله تعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها}⁣(⁣٣)، وكما فهم عكس الترتيب في قوله تعالى إخبارا عن منكري البعث: {ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا}⁣(⁣٤)، ولو كانت للترتيب لكان اعترافا بالحياة بعد الموت.

  وهذا الذي ذكرناه قول أكثر أهل العلم⁣(⁣٥): من النحاة وغيرهم، وليس بإجماع كما قال السيرافي، بل روي عن بعض الكوفيين أن الواو للترتيب، وأنه أجاب عن هذه الآية بأن المراد يموت كبارنا وتولد صغارنا فنحيا، وهو بعيد، ومن أوضح ما يردّ عليهم قول العرب: اختصم زيد وعمرو، وامتناعهم من أن يعطفوا في ذلك بالفاء أو بثمّ؛ لكونهما


(١) المراد ترتيب مجيئهما على ترتيب ذكرهما في الكلام، وذلك بأن يكون مجيء زيد قبل مجيء عمرو في هذا المثال.

(٢) من الآية ١٢٧ من سورة البقرة.

(٣) الآيات ١، ٢، ٣ من سورة الزلزلة.

(٤) من الآية ٢ من سورة الجاثية.

(٥) قالوا: وتدل على كل واحد من هذه المعاني الثلاثة دلالة اللفظ المشترك على أحد معانيه، ومع ذلك فدلالتها على المعية أكثر، وعلى الترتيب كثير، وعلى عكس الترتيب قليل.