شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[معنى الفاء]

صفحة 338 - الجزء 1

  للترتيب، فلو كانت الواو مثلهما لامتنع ذلك معها، كما امتنع معهما.

  * * *

[معنى الفاء]

  ص - والفاء للتّرتيب والتّعقيب.

  ش - إذا قيل: «جاء زيد فعمرو» فمعناه أن مجيء عمرو وقع بعد مجيء زيد من غير مهلة فهي مفيدة لثلاثة أمور: التشريك في الحكم، ولم أنبّه عليه لوضوحه، والترتيب، والتعقيب.

  وتعقيب كل شيء بحسبه⁣(⁣١)، فإذا قلت: «دخلت البصرة فبغداد» وكان بينهما ثلاثة أيام ودخلت بعد الثالث فذلك تعقيب في مثل هذا عادة، فإذا دخلت بعد الرابع أو الخامس فليس بتعقيب، ولم يجز الكلام.

  وللفاء معنى آخر، وهو التّسبّب، وذلك غالب في عطف الجمل⁣(⁣٢)، نحو قولك:

  «سها فسجد» و «زنى فرجم» و «سرق فقطع» وقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ}⁣(⁣٣)؛ ولدلالتها على ذلك استعيرت للرّبط في جواب الشرط، نحو «من يأتني فإنّي أكرمه» ولهذا إذا قيل: «من دخل داري فله درهم» أفاد استحقاق الدرهم بالدخول، ولو حذف الفاء احتمل ذلك واحتمل الإقرار بالدرهم له.

  وقد تخلو الفاء العاطفة للجمل عن هذا المعنى، كقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى}⁣(⁣٤).

  * * *


(١) معنى التعقيب أن يكون وقوع المعطوف بعد وقوع المعطوف عليه بلا مهلة بينهما، وهو - مع ذلك، كما قال المؤلف - في كل شيء بحسبه.

(٢) وقد تجيء الفاء الدالة على التسبب في عطف الصفات، نحو قوله تعالى: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} ومن أمثلة الفاء الدالة على التسبب في عطف الجمل - سوى الآية التي تلاها المؤلف - قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ} وقول كعب بن زهير:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول

(٣) من الآية ٣٧ من سورة البقرة.

(٤) الآيات ٢، ٣، ٤، ٥ من سورة الأعلى.