شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[معاني أو]

صفحة 341 - الجزء 1

  وإنما هي لمطلق الجمع كالواو، ويشهد لذلك قوله عليه الصلاة والسّلام: «كلّ شيء بقضاء وقدر حتّى العجز والكيس» ولا ترتيب بين القضاء والقدر، وإنما الترتيب ظهور المقضيّات والمقدّرات.

[معاني أو]

  ص - و «أو» لأحد الشّيئين أو الأشياء، مفيدة بعد الطّلب التّخيير أو الإباحة، وبعد الخبر الشّكّ أو التّشكيك.

  ش - مثالها لأحد الشيئين قوله تعالى: {لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}⁣(⁣١)، ولأحد الأشياء: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}⁣(⁣٢)، ولكونها لأحد الشيئين أو الأشياء امتنع أن يقال: «سواء عليّ أقمت أو قعدت»⁣(⁣٣)؛ لأن «سواء» لا بدّ فيها من شيئين؛ لأنك لا تقول: سواء عليّ هذا الشيء.

  ولها أربعة معان: معنيان بعد الطلب⁣(⁣٤)، وهما التخيير، والإباحة، ومعنيان بعد الخبر، وهما الشك، والتشكيك⁣(⁣٥).

  فمثالها للتخيير «تزوّج هندا أو أختها» وللإباحة «جالس الحسن أو ابن سيرين» والفرق بينهما أن التخيير يأبى جواز الجمع بين ما قبلها وما بعدها، والإباحة لا تأباه، ألا ترى أنه لا يجوز له أن يجمع بين تزوّج هند وأختها، وله أن يجالس الحسن وابن سيرين جميعا؟


(١) من الآية ١١٣ من سورة المؤمنين.

(٢) من الآية ٨٩ من سورة المائدة.

(٣) سنحرر لك هذه المسألة في «مباحث أم» ص (٣٤٢).

(٤) المراد بالطلب هنا العبارة الدالة على الطلب، وإن لم يكن ثمة طلب نفسي، إذ كيف يكون هناك طلب نفسي وهي دالة على التخيير، واعلم أن هذين المعنيين إنما يحسنان بعد الصيغة الدالة على الأمر كمثالي المؤلف، وبعد الصيغة الدالة على التحضيض نحو: «هلا تتزوج هندا أو أختها» في التخيير، و «هلا تصاحب الحسن أو ابن سيرين» في الإباحة؛ فأما الاستفهام نحو «أعندك زيد أو عمرو» فإنه لا يدل على تخيير ولا إباحة؛ وأما في التمني نحو «ليت لي ألف دينار أو خزانة كتب» فإن ظاهر أمر المتكلم بهذا الكلام يدل على جواز الجمع بين المتعاطفين دائما؛ وإذن فيكون المراد بالطلب في هذا المقام صيغة الأمر والتحضيض ليس غير؛ من باب إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص.

(٥) الفرق بين الشك والتشكيك أن الشك يكون من المتكلم، وأما التشكيك فهو قصد المتكلم إيقاع المخاطب في الشك، وهو بين واضح من شرح المؤلف لمثاليهما.