[لا، وبل، ولكن]
  عمرو» ردّا على من اعتقد أن «عمرا» جاء دون «زيد» أو أنهما جاءاك معا، وتقول: «ما جاءني زيد لكن عمرو»، أو «بل عمرو» ردّا على من اعتقد العكس، والثاني: أن «لا» إنما يعطف بها بعد الإثبات، و «بل» يعطف بها بعد النفي، و «لكن» إنما يعطف بها بعد النفي، ويكون معناها كما ذكرنا، ويعطف ببل بعد الإثبات(١)، ومعناها حينئذ إثبات الحكم لما بعدها وصرفه عما قبلها وتصييره كالمسكوت عنه، من قبل أنه لا يحكم عليه بشيء، وذلك كقولك: «جاءني زيد بل عمرو».
  وقد تضمن سكوتي عن «إمّا» أنها غير عاطفة، وهو الحقّ، وبه قال الفارسيّ، وقال الجرجاني: عدّها في حروف العطف سهو ظاهر(٢).
  * * *
= ثم اعلم ثانيا أن المخاطب الذي يلقى إليه هذا الكلام قد يكون معتقدا لضد الوصف الذي يسند إلى المحدث عنه، كأن يكون معتقدا أن محمدا جاهل؛ فإذا قلت في هذه الحال «إنما محمد عالم» كنت قد قلبت عليه اعتقاده؛ فهذا يسمى قصر قلب، وقد يكون المخاطب معتقدا أن المحدث عنه موصوف بصفتين؛ كأن يعتقد أن خالدا شاعر وناثر، فتريد أن تبين له أنه موصوف بأحد الوصفين دون الآخر؛ فتقول «إنما خالد شاعر» فهذا يسمى قصر إفراد؛ لأنك أفردت الموصوف بإحدى الصفتين اللتين اعتقد المخاطب أنه متصف بهما جميعا، وقد يكون المخاطب معتقدا أن المحدث عنه موصوف بصفة واحدة ولكنه لا يجزم بهذه الصفة بذاتها، كأن يكون مترددا في أن تكون هذه الصفة هي الكتابة أو الشعر؛ فإذا قلت حينئذ «إنما خالد كاتب» كنت قد عينت للمخاطب الصفة التي اتصف بها المحدث عنه من بين الصفتين اللتين كان يتردد في أيتهما التي يتصف بها المحدث عنه، وهذا يسمى قصر التعيين.
فالقصر على ثلاثة أنواع: قصر قلب، وقصر إفراد، وقصر تعيين، وللمخاطب ثلاثة أحوال أيضا، وانقسام القصر إلى هذه الثلاث بالنظر إلى حال المخاطب؛ فإن كان المخاطب يعتقد ضد ما تثبته فهو قصر القلب، وإن كان يعتقد ما تثبته وزيادة فهو قصر الإفراد، وإن كان مترددا بين ما تثبته وغيره فهو قصر التعيين.
(١) في كل نسخ الأصل: «ويعطف بها بعد الإثبات» فيعود الضمير إلى «لكن» لأنها أقرب شيء مذكور في الكلام وهو خطأ؛ فقد قرر المؤلف قريبا أن «لكن» يعطف بها بعد النفي وحده.
(٢) خاتمة - كما يجوز عطف الاسم على الاسم يجوز عطف الفعل على الفعل، سواء أكانت صيغة المعطوف والمعطوف عليه واحدة - بأن كان كل منهما ماضيا نحو قوله تعالى: {فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ} أو كان كل منهما مضارعا نحو قوله جلّ شأنه: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ} - أم اختلفت صيغة المعطوف والمعطوف عليه - بأن كان المعطوف ماضيا والمعطوف عليه مضارعا كقوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} أو بالعكس فكان المعطوف مضارعا والمعطوف عليه ماضيا كقوله تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} وأما فعل الأمر فعطف مثله عليه من باب عطف الجمل؛ لأن في فعل الأمر ضميرا مستترا وجوبا.
ويجوز أيضا عطف الفعل على اسم يشبه الفعل، نحو قوله تعالى: {فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} ويجوز =