شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[لا، وبل، ولكن]

صفحة 343 - الجزء 1

  معادلة، لأنها عادلت الهمزة في الاستفهام بها، ألا ترى أنك أدخلت الهمزة على أحد الاسمين اللّذين استوى الحكم في ظنك بالنسبة إليهما، وأدخلت «أم» على الآخر، ووسّطت بينهما ما لا تشك فيه - وهو قولك «عندك»؟ - وتسمى أيضا متّصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر⁣(⁣١).

  * * *

[لا، وبل، ولكن]

  ص - وللرّدّ عن الخطأ في الحكم «لا» بعد إيجاب، و «لكن»، و «بل» بعد نفي، ولصرف الحكم إلى ما بعدها «بل» بعد إيجاب.

  ش - حاصل هذا الموضع أن بين «لا» و «لكن» و «بل» اشتراكا وافتراقا.

  فأما اشتراكها فمن وجهين، أحدهما: أنها عاطفة، والثاني: أنها تفيد ردّ السّامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب.

[لا، وبل، ولكن]

  وأما افتراقها فمن وجهين أيضا، أحدهما: أنّ «لا» تكون لقصر القلب وقصر الإفراد⁣(⁣٢)، و «بل»، و «لكن» إنما يكونان لقصر القلب فقط، تقول: «جاءني زيد لا


(١) اشتهر عند كثير من العلماء أنه لا يعطف بعد سواء إلا بأم، وذلك لأن التسوية التي يدل عليها لفظ سواء من الأمور النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعدا؛ والعطف في هذه الحالة مما اختصت به الواو، وتشارك الواو في ذلك «أم» لأن وضعها على ألا يستغنى فيها بما قبلها عما بعدها ولا عكسه.

لكن هذا الذي اشتهر عند كثير من العلماء ليس على إطلاقه، بل في الكلام تفصيل، وحاصله أنك إن جئت بعد سواء بالهمزة لم يجز أن تعطف إلا بأم كما في قوله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ومما نحب أن ننبهك إليه ههنا أن «سواء» خبر مقدم، والمصدر المنسبك بعد الهمزة مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس.

وإن لم تذكر الهمزة بعد سواء جاز العطف بأم على معنى التسوية، وجاز العطف بأو على معنى المجازاة، تقول: «سواء عليّ قمت أو قعدت» ومعناه: إن قمت أو قعدت فالأمران عندي سواء، وعليه قرأ ابن محيصن {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} بدون همزة وبالعطف بأو؛ وعليه يكون سواء خبر مبتدأ محذوف، كما هو واضح في تقدير الكلام.

(٢) اعلم أولا أنك إذا قلت «محمد عالم» فمعنى هذه العبارة الذي قصدت إليه هو ثبوت العلم لمحمد، ولا دلالة لهذه العبارة على ثبوت شيء من الأوصاف غير العلم لمحمد، كما لا دلالة لها على نفي شيء من الأوصاف عنه، ولا دلالة لها أيضا على أن غير محمد من الناس قد ثبت له العلم أو انتفى عنه، فإذا قلت: «إنما محمد عالم» أو قلت: «ما هو إلا عالم» دلت هذه العبارة على شيئين:

الأول: ثبوت العلم لمحمد.

والثاني: انتفاء غير صفة العلم من الصفات التي تكون مثار جدل بينك وبين غيرك عنه، وهذا هو الذي يسمى قصرا. =