شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[المبني على السكون مثل كم ومن]

صفحة 45 - الجزء 1

[المبني على السكون مثل كم ومن]

  ولما فرغت من ذكر المبنيّ على الضمّ، ذكرت المبنيّ على السكون، ومثّلت له بمن، وكم، تقول: «جاءني من قام، ورأيت من قام ومررت بمن قام»، فتجد «من» ملازمة للسكون في الأحوال الثلاثة، وكذا تقول: «كم مالك، وكم عبدا ملكت، وبكم درهم اشتريت» ف «كم» في المثال الأول في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، وعلى الخبرية عند الأخفش، وفي الثاني في موضع نصب على المفعولية بالفعل الذي بعدها، وفي الثالث في موضع خفض بالباء، وهي ساكنة في الأحوال الثلاثة كما ترى⁣(⁣١).

  ولما ذكرت المبنيّ على السكون متأخرا خشيت من وهم من يتوهم أنه خلاف الأصل؛ فدفعت هذا الوهم بقولي: «وهو أصل البناء».


= الإعراب: «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب المحل بجوابه «أنا» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، على الراجح عند جمهور البصريين، وهذا الفعل المحذوف مع نائب فاعله جملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وهذا معنى قولنا «خافض لشرطه» وقوله «لم» حرف نفي وجزم وقلب «أومن» فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة من الفعل المذكور ونائب فاعله المستتر لا محل لها مفسرة؛ لأنها دلت على الفعل الذي يكون بعد إذا «عليك» جار ومجرور متعلق بقوله أومن «ولم» الواو عاطفة، لم: حرف جزم ونفي وقلب «يكن» فعل مضارع مجزوم بلم «لقاؤك» لقاء: اسم يكن على تقدير جعلها ناقصة، أو فاعل بها على تقدير كونها تامة، ولقاء مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه، مبني على الفتح في محل جر «إلا» أداة استثناء ملغاة لا عمل لها «من» حرف جر «وراء» ظرف مكان مبني على الضم في محل جر بمن، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر يكن، فإذا جعلت قوله «لقاء» فاعلا ليكن على تقدير كونها تامة كان الجار والمجرور متعلقا بمحذوف حال من الفاعل «وراء» تأكيد للأول.

الشاهد فيه: قوله «من وراء وراء» حيث وردت الرواية بضم هذه الكلمة مع أنها مسبوقة بحرف الجر؛ فدل ذلك على أنها مبنية على الضم، وإنما بنيت لأنه حذف المضاف إليه ونوى معناه لا لفظه، وقد قدمنا لك السر في البناء في هذه الحالة.

(١) لا فرق في «من» بين أن تكون موصولة، أو استفهامية، أو شرطية، أو نكرة موصوفة، فهي مبنية على السكون في جميع هذه الأحوال، كما لا فرق في «كم» بين أن تكون استفهامية، أو خبرية - وستعرف في باب التمييز فرق ما بين كم الخبرية والاستفهامية - وإنما بنى «من، وكم» لشبههما بالحرف في المعنى أو نحوه، فإن من الاستفهامية أشبهت في المعنى همزة الاستفهام، ومن الشرطية أشبهت إن الشرطية في المعنى، ومن الموصولة أشبهت الحرف في الافتقار إلى جملة كسائر الموصولات، وأما «كم» الخبرية فقد أشبهت في المعنى «رب» فإنها تدل على التكثير، ومن العلماء من ذكر أنها أشبهت حرفا كان يجب أن يوضع لكن العرب لم تضعه، كما قالوا في بناء اسم الإشارة.