شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[علامة فعل الأمر، وحكمه]

صفحة 50 - الجزء 1

[علامة فعل الأمر، وحكمه]

  بالكلام على فعل الأمر؛

  فذكرت أن علامته التي يعرف بها مركبة من مجموع شيئين، وهما دلالته على الطّلب، وقبوله ياء المخاطبة، وذلك نحو «قم» فإنه دالّ على طلب القيام، ويقبل ياء المخاطبة، تقول إذا أمرت المرأة «قومي» وكذلك: «اقعد، واقعدي، واذهب واذهبي» قال اللّه تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}⁣(⁣١).

  فلو دلت الكلمة على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة - نحو «صه» بمعنى اسكت، و «مه» بمعنى اكفف - أو قبلت ياء المخاطبة ولم تدلّ على الطلب - نحو «أنت يا هند تقومين وتأكلين» - لم يكن فعل أمر.

  ثم بيّنت أن حكم فعل الأمر في الأصل البناء على السكون، كاضرب، واذهب، وقد يبنى على حذف آخره، وذلك إن كان معتلّا، نحو: «اغز، واخش، وارم» وقد يبنى على حذف النون، وذلك إن كان مسندا لألف اثنين، نحو «قوما»، أو واو جمع، نحو «قوموا» أو ياء مخاطبة نحو «قومي».

  فهذه ثلاثة أحوال للأمر أيضا، كما أن للماضي ثلاثة أحوال.

  * * * ولما كان بعض كلمات الأمر مختلفا فيه: هل هو فعل أو اسم؟ نبّهت عليه، كما فعلت مثل ذلك في الفعل الماضي، وهو ثلاثة: هلمّ، وهات، وتعال.

  فأما «هلمّ» فاختلفت فيها العرب على لغتين.

  إحداهما أن تلزم طريقة واحدة، ولا يختلف لفظها بحسب من هي مسندة إليه؛ فتقول: هلمّ يا زيد، وهلمّ يا زيدان، وهلمّ يا زيدون، وهلمّ يا هند، وهلمّ يا هندان، وهلمّ يا هندات، وهي لغة أهل الحجاز، وبها جاء التنزيل قال اللّه تعالى: {وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا}⁣(⁣٢) أي ائتوا إلينا، وقال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ}⁣(⁣٣) أي:


(١) من الآية ٢٦ من سورة مريم.

(٢) من الآية ١٨ من سورة الأحزاب، و «هلم» في هذه الآية الكريمة غير متعدّ إلى المفعول بنفسه، ومعناه أقبل.

(٣) من الآية ١٥٠ من سورة الأنعام، و «هلم» في هذه الآية الكريمة متعدّ إلى المفعول بنفسه، ومعناه أحضر.