شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[«مهما» اسم شرط عند الجمهور، وزعم السهيلي وابن يسعون أنها حرف]

صفحة 59 - الجزء 1

  الضمير، وكون «مهما» لا موضع لها من الإعراب؛ إذ لا يليق بها ههنا لو كان لها محل إلا أن تكون مبتدأ، والابتداء هنا متعذر، لعدم رابط يربط الجملة الواقعة خبرا له، وإذا ثبت أن لا موضع لها من الإعراب، تعين كونها حرفا⁣(⁣١).


= عند الجمهور، وإعراب الشطر الثاني كإعراب السهيلي السابق، وتقدير البيت على هذا الوجه من لإعراب هكذا: أيما صفة تكن هي عند امرئ حال كونها كائنة من خليقة إن خالها لا تخفى - إلخ.

وأجاز الجمهور أيضا أن نعرب «مهما» اسم شرط جازم خبر مقدم لتكن، مبني على السكون في محل نصب، و «تكن» فعل الشرط و «من» زائدة، و «خليقة» اسم تكن، و «عند» ظرف متعلق بتكن، وتقدير البيت على هذا الوجه من الإعراب هكذا: أي شيء تكون الخليقة عند امرئ إن خالها لا تخفى على الناس ... إلخ.

الشاهد فيه: قوله «مهما» حيث ذهب السهيلي، وتبعه ابن يسعون، إلى أن هذه الكلمة في هذا البيت حرف دال على الشرط لا محل له من الإعراب، وزعما أنه لا يجوز أن تكون هنا اسما، وإن كانا يجوزان في تركيب آخر أن تجيء هذه الكلمة اسما، والسر عندهما في أنها لا تكون هنا اسما أنها لو كانت اسما لكانت إما مبتدأ مثل «من» الشرطية في قولك «من يقم أقم معه» وإما مفعولا مقدما مثل «ما» الشرطية في قولك «ما تدخر ينفعك» وزعما أن «مهما» في هذا البيت لا يجوز أن تكون مبتدأ، ولا يجوز أن تكون مفعولا؛ فأما عدم جواز أن تكون مبتدأ فلأن محل جواز ذلك إذا كان في فعل الشرط ضمير مستتر يعود إليها كالضمير الذي في «يقم» العائد إلى «من» في المثال المذكور، وزعما أن «تكن» ليس فيها ضمير يعود إلى مهما؛ لأن اسم تكن هو خليقة المجرور لفظا بمن الزائدة، وأما عدم جواز أن تكون مفعولا، فلأن محل جواز ذلك إذا كان فعل الشرط متعديا ولم ينصب مفعوله مثل «تدخر» في المثال السابق؛ فإنه فعل يتعدى إلى مفعول به، تقول «يدخر علي المال» وهو لم ينصب مفعولا في المثال؛ فلهذا جاز اعتبار «ما» في محل نصب مفعولا به لتدخر، وفي البيت ترى أن فعل الشرط - وهو تكن - لا يتعدى إلى مفعول به، وليس يصح في أسماء الشرط غير الظروف إلا واحد من هذين الإعرابين، وإذا لم يصح في هذه الكلمة هنا واحد من هذين الإعرابين لزم أنها ليست اسما، وإذا لم تكن اسما فهي حرف.

وقد عرفت أن كلامهما باطل؛ لأننا جعلناها مبتدأ، وجعلنا في تكن ضميرا يعود إليها، فقولهما «إن جعلت مهما مبتدأ فليس في تكن ضمير» فاسد، وأيضا فإنا أعربناها في المرة الثانية خبرا لتكن؛ فمثلها حينئذ مثل «كيفما» في قولك «كيفما تكن أكن» فقولهما «وليس لأسماء الشرط غير الظروف سوى هذين الإعرابين» غير مسلم؛ فتدبر ذلك كله، واللّه ينفعك به؛ فإني أوضحته لك غاية الإيضاح.

(١) المراد أن اللفظ المفرد المبني إذا كان اسما وجب أن يكون له موضع من الإعراب، فإذا لم يكن له محل من الإعراب كان حرفا، و «مهما» لفظ مفرد مبني، وقد ثبت عند هؤلاء أنه لا محل له من الإعراب فكان حرفا، والرد على ذلك الكلام معروف مما قررناه في بيان الاستشهاد بالبيت؛ فإنا بينا أن لها محلّا من الإعراب، وهو الرفع إن جعلت مبتدأ، والنصب إن جعلت خبر تكن.