شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[بيان إعراب جمع المذكر السالم، وبيان ما يلحق به]

صفحة 71 - الجزء 1

  (٧) ومما حمل على جمع المذكر السالم في الإعراب «بنون».

  (٨) وكذلك «علّيّون» وما أشبهه مما سمي به من الجموع، ألا ترى أن علّيّين في الأصل جمع لعلّيّ؛ فنقل عن ذلك المعنى وسمي به أعلى الجنة، وأعرب هذا الإعراب نظرا إلى أصله، قال اللّه تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ}⁣(⁣١).

  فعلى ذلك إن سميت رجلا ب «زيدون» قلت: «هذا زيدون» و «رأيت زيدين» و «مررت بزيدين» فتعربه كما كنت تعربه حين كان جمعا⁣(⁣٢).

  * * *


(١) الآيتان ١٨، ١٩ من سورة المطففين.

(٢) هذه أفصح لغات العرب في إعراب ما سمي به مما أصله جمع مذكر سالم.

ومن العرب من يلزمه الياء ويعربه بحركات ظاهرة على النون بعد الياء، فكأنه اسم مفرد آخره ياء ونون مثل غسلين ويقطين: فيأتي به في حالة الرفع بضمة على النون، وفي حالة النصب بفتحة على النون، وفي حالة الجر بكسرة على النون، وينونه في الأحوال كلها ما لم يكن أعجميا، فإن كان أعجميا مثل قنسرين أعربه مثل إعراب الاسم الذي لا ينصرف للعلمية والعجمة فيمنع تنوينه ويجره بالفتحة، ومن العلماء من أجرى هذه اللغة في جمع المذكر السالم وكل ما ألحق به، ويخرج على هذه اللغة ما ورد في حديث الدعاء على أهل مكة «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» بنصب سنين الأول على النون وكسر سنين الثاني على النون، ولولا ذلك لم ينون الأول ولم يثبت النون في الثاني مع الإضافة، وقد جاء على هذه اللغة - كالحديث - قول عبيد بن الأبرص (د ص ١٤٥ ط بيروت ١٩٥٨):

تغيرت الدّيار بذي الدّفين ... فأودية اللّوى فرمال لين

فحرجي ذروة فقفا ذيال ... يعفّي آية سلف السّنين

ويخرج على هذه اللغة أيضا قول الشاعر:

ربّ حيّ عرندس ذي طلال ... لا يزالون ضاربين القباب

بنصب «ضاربين» بفتحة على النون، ولولا ذلك لحذف النون لإضافته إلى ما بعده.

ومن العرب من يأتي به بالواو والنون في الأحوال كلها، ويجعل الإعراب بحركات ظاهرة على النون كما لو كان اسما مفردا مختوما بالواو والنون، مثل زيتون وعربون ومفتون، وعليها جاء قول الشاعر:

طال ليلي وبتّ كالمجنون ... واعترتني الهموم بالماطرون

وقول الآخر، وينسب إلى يزيد بن معاوية:

ولها بالماطرون إذا ... أكل النّمل الّذي جمعا

الشاهد فيهما: قولهما «بالماطرون» فإن أصله ماطر، ثم سمي به مكان معين وقد جاء به مجرورا بالكسرة الظاهرة على النون.