شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[«ما» النافية تعمل عمل ليس في لغة أهل الحجاز بشروط]

صفحة 166 - الجزء 1

  القويمة، وبها جاء التنزيل. قال اللّه تعالى: {ما هذا بَشَراً} {ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ}⁣(⁣١).

  ولإعمالها عندهم ثلاثة شروط: أن يتقدم اسمها على خبرها؛ وأن لا تقترن بأن الزائدة؛ ولا خبرها بإلّا؛ فلهذا أهملت في قولهم في المثل: «ما مسيء من أعتب» لتقدم الخبر؛ وفي قول الشاعر:

  ٥٠ - بني غدانة؛ ما إن أنتم ذهب ... ولا صريف، ولكن أنتم الخزف

  لوجود «إن» المذكورة، وفي قوله تعالى: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}⁣(⁣٢) {وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ}⁣(⁣٣)، لاقتران خبرها بإلّا.

  وبنو تميم لا يعملون «ما» شيئا، ولو استوفت الشروط الثلاثة؛ فيقولون: ما زيد قائم، ويقرؤون {ما هذا بَشَراً}⁣(⁣٤).


(١) من الآية ٢ من سورة المجادلة.

ولم يقرأ بلغة بني تميم الذين يهملون «ما» في القرآن الكريم إلا في قراءات شاذة.

٥٠ - لم أقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين، وقد أنشده الأشموني (رقم ٢١١) والمؤلف في أوضحه (رقم ١٠١) وفي الشذور (رقم ٩٠).

اللغة: «غدانة» بضم الغين - حي من بني يربوع «صريف» هو الفضة «الخزف» الفخار الذي يعمل من الطين ثم يشوى بالنار.

المعنى: يقول: أنتم يا بني غدانة لستم من أفاضل الناس، وإنما أنتم من أراذلهم.

الإعراب: «بني» منادى بحرف نداء محذوف، وأصله يا بني، منصوب بالياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وبني مضاف، و «غدانة» مضاف إليه، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث «ما» نافية «إن» زائدة «أنتم» ضمير منفصل مبتدأ «ذهب» خبر المبتدأ «ولا» الواو حرف عطف، لا: حرف زائد لتأكيد النفي «صريف» معطوف على ذهب «ولكن» الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك «أنتم» ضمير منفصل مبتدأ «الخزف» خبر المبتدأ.

الشاهد فيه: قوله «ما إن أنتم ذهب» حيث أهمل «ما» النافية، فلم يعملها، ولو أعملها لنصب بها الخبر، فقال: «ما إن أنتم ذهبا» وإنما أهملها بسبب وجود «إن» الزائدة بعدها، وفي البيت رواية بالنصب على الإعمال «ما إن أنتم ذهبا»؛ ولكن العلماء المحققين قرروا في مثل هذه الحالة أنه ينبغي أن تقدر «إن» حينئذ نافية مؤكدة للنفي المستفاد من «ما» لا زائدة، ولا نافية لنفي ما فيصير الكلام إثباتا؛ لأن نفي النفي إثبات، فافهم ذلك.

(٢) من الآية ١٤٤ من سورة آل عمران.

(٣) من الآية ٥٠ من سورة القمر.

(٤) من الآية ٣١ من سورة يوسف، وقد ذكرنا لك أنه لم يقرأ بلغتهم إلا في الشاذ.