شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[قد يجب تقديم المفعول على الفعل]

صفحة 209 - الجزء 1

  فلو قيل في الكلام «جاء النّذر آل فرعون» لكان جائزا، وكذلك لو قيل: «كما أتى موسى ربّه» وذلك لأن الضمير حينئذ يكون عائدا على متقدم لفظا ورتبة، وذلك هو الأصل في عود الضمير.

  والواجب كقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ}⁣(⁣١)، وذلك لأنه لو قدّم الفاعل هنا فقيل: «ابتلى ربّه إبراهيم» لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وذلك لا يجوز؛ وكذلك نحو قولك: «ضربني زيد» وذلك أنه لو قيل: «ضرب زيد إيّاي» لزم فصل الضمير مع التمكن من اتصاله، وذلك أيضا لا يجوز.

[قد يجب تقديم المفعول على الفعل]

  وقد يجب [أيضا] تأخير المفعول في نحو: «ضرب موسى عيسى» لانتفاء الدلالة على فاعلية أحدهما ومفعولية الآخر؛ فلو وجدت قرينة معنوية نحو: «أرضعت الصغرى الكبرى» و «أكل الكمّثرى موسى» أو لفظية كقولك: «ضربت موسى سلمى» و «ضرب موسى العاقل عيسى» جاز تقديم المفعول على الفاعل وتأخيره عنه، لانتفاء اللبس في ذلك.

  واعلم أنه كما لا يجوز في مثل «ضرب موسى عيسى»⁣(⁣٢) أن يتقدم المفعول على الفاعل وحده، كذلك لا يجوز تقديمه عليه وعلى الفعل، لئلا يتوهم أنه مبتدأ، وأن الفعل متحمّل لضميره، وأن «موسى» مفعول.

  ويجوز في مثل «ضرب زيد عمرا» أن يتقدّم المفعول على الفعل، لعدم المانع من


= جار ومجرور متعلق بأتى، وما المصدرية مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، وهذا الجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمنعوت محذوف، وتقدير الكلام: جاء الخلافة إتيانا كإتيان موسى ربه على قدر.

الشاهد فيه: قوله «أتى ربه موسى» حيث قدم المفعول به - وهو رب - على الفاعل - وهو موسى - مع كون المفعول به مضافا إلى ضمير عائد إلى الفاعل، وذلك لأن الضمير في هذه الحالة - وإن كان يعود على متأخر في اللفظ - عائد على متقدم في الرتبة؛ بسبب أن الرتبة الطبيعية للفاعل أن يقع قبل المفعول.

(١) من الآية ١٢٤ من سورة البقرة.

(٢) ضابط نحو هذا المثال أن يكون إعراب الفاعل والمفعول جميعا تقديريا كما مثل المؤلف، أو محليا نحو قولك «ضرب هذا ذاك» أو «ضرب هؤلاء هذا».