شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[ضابطه]

صفحة 217 - الجزء 1

  ضربت أخاه، ولا تقدر «ضربت»؛ لأنك لم تضرب إلا الأخ.

  واعلم أن للاسم المتقدم على الفعل المذكور خمس حالات؛ فتارة يترجّح نصبه، وتارة يجب، وتارة يترجّح رفعه، وتارة يجب، وتارة يستوي الوجهان.

  فأما ترجيح النصب ففي مسائل:

  (١) منها: أن يكون الفعل المذكور فعل طلب - وهو: الأمر، والنهي، والدعاء - كقولك «زيدا أضربه»، و «زيدا لا تهنه»، و «اللّهمّ عبدك ارحمه»⁣(⁣١).

  وإنما يترجّح النصب في ذلك لأن الرفع يستلزم الإخبار بالجملة الطلبية عن المبتدأ، وهو خلاف القياس⁣(⁣٢)؛ لأنها لا تحتمل الصدق والكذب.

  ويشكل على هذا نحو قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما}⁣(⁣٣)، فإنه نظير قولك «زيدا وعمرا اضرب أخاهما» وإنما رجّح في ذلك النصب لكون الفعل المشغول فعل طلب، وكذلك قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما}⁣(⁣٤)، والقرّاء السبعة قد أجمعوا على الرفع في الموضعين.

  وقد أجيب عن ذلك بأن التقدير: مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما؛ فالسارق والسارقة: مبتدأ ومعطوف عليه، والخبر محذوف، وهو الجار والمجرور، واقطعوا: جملة مستأنفة؛ فلم يلزم الإخبار بالجملة الطلبية عن المبتدأ ولم يستقم عمل فعل من جملة في مبتدأ مخبر عنه بغيره من جملة أخرى، ومثله: «زيد فقير


(١) ويدخل في الطلب ما كان لفظه لفظ الخبر ومعناه الدعاء مثلا، نحو قولك: «محمد غفر اللّه له» و «خالد لا يعذبه اللّه» وخرج عن هذا النوع ما كان لفظه لفظ الطلب لكن معناه معنى الخبر كأفعل في التعجب نحو قولك:

«محمد أجمل به» والسر في ذلك أن الباء زائدة وجوبا، والضمير في محل رفع على أنه فاعل أجمل - كما ستعرف في باب التعجب - فليس هذا المثال ونحوه من باب الاشتغال أصلا؛ لأنك قد علمت أن من أصل هذا الباب أن يكون الفعل بحيث لو فرغ عن العمل في الضمير وسلط على الاسم المتقدم لنصبه، وهذا الفعل لو سلط على الاسم المتقدم لرفعه محلا وجره بالباء الزائدة وجوبا.

(٢) لكنه جائز، فلهذا لم يمتنع الرفع، بل ضعف بسببين: مخالفة القياس، ووجود خلاف بين النحاة، وإن كان الراجح عندهم الجواز، من قبل أن حمل الكلام على ما لا خلاف فيه أولى من حمله على ما فيه خلاف.

(٣) من الآية ٣٨ من سورة المائدة.

(٤) من الآية ٢ من سورة النور.