[وشرط صاحبها التعريف، أو التخصيص أو التعميم أو التأخير]
  والرابع: التأخير عن الحال، كقول الشاعر:
  ١٠٥ - لميّة موحشا طلل ... يلوح كأنّه خلل
  ف «موحشا» حال من «طلل» وهو نكرة لتأخيره عن الحال.
  * * *
١٠٥ - هذا البيت من كلام كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة وقد أنشده سيبويه (ج ١ ص ٢٧٦) وأنشد المؤلف صدره في أوضحه (رقم ٢٦٩) وأنشده كله في شذور الذهب مرتين (رقم ٧) وأنشده الأشموني في باب الحال (رقم ٤٧٢).
اللغة: «طلل»: هو ما بقي شاخصا - أي بارزا مرتفعا عن الأرض - من آثار الديار «موحشا» اسم فاعل فعله «أوحش المنزل» إذا خلا من أهله، أو صار مسكنا للوحوش «خلل» - بكسر الخاء وفتح اللام - جمع خلة، وهي بطانة تغشى بها أجفان السيوف.
الإعراب: «لمية» اللام حرف جر، مية: مجرور باللام، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «موحشا» حال تقدم على صاحبه، منصوب بالفتحة الظاهرة «طلل» مبتدأ مؤخر، وهو صاحب الحال، وستعرف شيئا في هذا الإعراب «يلوح» فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى طلل، والجملة من يلوح وفاعله في محل رفع صفة لطلل «كأنه» كأن: حرف تشبيه ونصب، وضمير الطلل اسمه «خلل» خبر كأن، والجملة من كأن واسمه وخبره في محل نصب من الضمير المستتر في يلوح.
الشاهد فيه: قوله «موحشا طلل» فإن الشارح استشهد به على مجيء الحال من النكرة والمسوغ له كون النكرة متأخرة عن الحال كما ترى؛ ولنا فيه مقال طويل ذكرنا بعضه في شرحنا على «أوضح المسالك» عند الكلام على هذا الشاهد، ونقول لك هنا: إن هذه النكرة قد وصفت بجملة «يلوح» وفاعله؛ فالمسوغ ههنا كالمسوغ في نحو قوله تعالى من الآية ١٠ من سورة فصلت: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً} وهو التخصيص، ثم إن هذه النكرة مبتدأ، والجمهور على أن الحال لا يأتي منه، وأهون من هذا البيت في الاستشهاد به قول الشاعر، وهو من شواهد سيبويه أيضا:
وبالجسم منّي بيّنا لو علمته ... شحوب، وإن تستشهدي العين تشهد
فبيّنا: حال من قوله شحوب، وهو نكرة، والذي سوغ مجيء الحال من النكرة تقدمه عليها، ويرد على هذا الشاهد الاعتراض الثاني الذي ذكرناه أخيرا على بيت الشاهد، والظاهر أن العلماء إنما ذكروا هذين البيتين على مذهب سيبويه الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ.
ومن أجل ما ذكرنا من هذه الاعتراضات ذهب جماعة من العلماء إلى أن «موحشا» حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور - وهو قوله «لمية» العائد على طلل، وكذلك يكون قول الآخر «بينا» حالا من الضمير المستتر في الجار والمجرور الذي هو قوله «بالجسم» العائد على الشحوب.