شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[شروط إعماله]

صفحة 292 - الجزء 1

  يختلف النحويون في ذلك، وقاس على ذلك بعضهم المصدر المجموع، فمنع إعماله حملا له على المصغّر، لأن كلّا منهما مباين للفعل، وأجاز كثير منهم إعماله، واستدلوا بنحو قوله:

  ١١٨ - وعدت وكان الخلف منك سجيّة ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب

  (٣) الثالث: أن لا يكون مضمرا؛ فلا تقول: «ضربي زيدا حسن وهو عمرا قبيح» لأنه ليس فيه لفظ الفعل، وأجاز ذلك الكوفيون، واستدلوا بقوله:


١١٨ - هذا البيت قد نسبه في اللسان (ج ٢ ص ٥٨) وفي مجمع الأمثال (ج ٢ ص ٢٢٢) للأشجعي بدون تعيين.

اللغة: «سجية» خصلة وخليقة «عرقوب» رجل يضرب به المثل في خلف الوعد «يترب» حكاه في اللسان بفتح الياء وسكون التاء المثناة وفتح الراء المهملة - وهو اسم مكان باليمامة، ومنهم من يرويه بالثاء المثلثة وكسر الراء، وهو الاسم القديم لمدينة الرسول ÷ التي سميت بعد ذلك طيبة، وقد صار لفظ «المدينة» علما بالغلبة عليها.

الإعراب: «وعدت» فعل وفاعل «وكان» الواو واو الحال، كان: فعل ماض ناقص «الخلف» اسمها «منك» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من سجية، لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالا «سجية» خبر كان «مواعيد» مفعول مطلق عامله وعدت في أول البيت، منصوب بالفتحة الظاهرة، ومواعيد مضاف و «عرقوب» مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله «أخاه» أخا: مفعول به لمواعيد، منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة، وأخا مضاف وضمير الغائب العائد إلى عرقوب مضاف إليه «بيترب» جار ومجرور متعلق بمواعيد.

الشاهد فيه: قوله «مواعيد عرقوب أخاه» فإن مواعيد جمع ميعاد أو موعد، وعلى الثاني تكون الياء ناشئة عن إشباع الكسرة في الجمع حتى تتولد منها الياء، (انظر شرح الشاهد ١٢٤) وموعد: مصدر ميمي لوعد، وقد أعمل هذا الجمع في فاعل ومفعول، فأضافه إلى الفاعل، ثم نصب به المفعول؛ فدل ذلك على أن المصدر إذا جمع جاز أن يعمل كما يعمل وهو مفرد.

وجواز إعمال المصدر المجموع مذهب لجماعة من النحاة، وذهب ابن مالك وجماعة آخرون إلى أنه لا يجوز إعمال المصدر المثنى ولا المجموع، لأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء، فوجود واحد منهما يبعد شبه المصدر بالفعل، أو تكون علة المنع أن صيغة المثنى وصيغة المجموع ليست هي الصيغة التي أخذ منها الفعل، كما سمعت في تعليل عدم إعمال المصدر المصغر، وهذا البيت يعتبر عند هذا الفريق من العلماء المانعين لإعمال المصدر المجموع من باب الضرورة التي تقع في الشعر؛ فلا يقاس عليه.