[شروط إعماله]
  ١١٩ - وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم
  أي: وما الحديث عنها بالحديث المرجّم، قالوا: فعنها متعلق بالضمير، وهذا البيت نادر قابل للتأويل، فلا تبنى عليه قاعدة.
١١٩ - هذا البيت من كلام زهير بن أبي سلمى المزني، من معلقته المشهورة، وقد استشهد به العلامة رضي الدين في شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة (ج ٣ ص ٣٤٥ بولاق).
اللغة: «وما الحرب إلا ما علمتم» يريد ليست الحرب إلا ما جربتموه وعرفتم عواقبه ونتائجه من التدمير والفناء، يحذر القوم من أن يعودوا إليها «وما هو» الضمير يعود إلى العلم الذي يشير إليه قوله «علمتم» وقوله «بالحديث» أراد الخبر، يريد ليس العلم عن الحرب بخبر تسمعونه قد يكون صحيحا وقد لا يكون صحيحا، يؤكد أن أمرها معلوم لهم لا ينبغي أن يتجاهلوه «المرجم» الأصل في هذه الكلمة الرجم، وهو القذف بالحجارة، ثم قالوا: رجم فلان فلانا، إذا أرادوا أنه شتمه وسبه، ثم قالوا: رجم بالظن، يريدون رمى به، ثم كثر هذا الاستعمال حتى قالوا: رجم، ورجّم - بالتخفيف والتشديد - وهم يريدون ظن، وقالوا: لقد قال فلان الكلام رجما، وهم يريدون قاله ظنا، فقول زهير «المرجم» يريد به المظنون الذي ليس في موضع اليقين.
الإعراب: «ما» نافية «الحرب» مبتدأ «إلا» أداة استثناء ملغاة «ما» اسم موصول خبر المبتدأ، مبني على السكون في محل رفع «علمتم» علم: فعل ماض، وتاء المخاطب فاعل مبني على الضم في محل رفع، والميم علامة على الجمع، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، والعائد ضمير منصوب بعلم محذوف، والتقدير: إلا التي علمتموها «وذقتم» الواو عاطفة، ذاق: فعل ماض، وتاء المخاطب فاعله، والميم علامة الجمع، والجملة معطوفة على جملة الصلة، فلا محل لها من الإعراب «وما» الواو عاطفة، ما: نافية حجازية تعمل عمل ليس «هو» اسم ما، وهو ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع «عنها» جار ومجرور متعلق بهو، وسيأتي إيضاح ذلك في بيان الاستشهاد به «بالحديث» الباء حرف جر زائد، الحديث: خبر ما الحجازية منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد «المرجم» نعت للحديث باعتبار لفظه، مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله «هو عنها» فإن الكوفيين ذهبوا إلى أن «هو» في هذا البيت ليس راجعا إلى الحرب؛ لأن الحرب مؤنثة، وهذا الضمير مذكر، وأيضا فإن رجوع هذا الضمير إلى الحرب يفسد المعنى؛ إذ لا معنى لقولك: وما الحرب عن الحرب بالحديث المرجم، وإنما هو كناية عن القول أو الحديث أو العلم، ويرشح لذلك إخباره عنه بقوله «الحديث المرجم» أي المظنون، فكأنه قال: وليس الحديث عن الحرب بالحديث المظنون، بل هو الحديث الصادق المتيقن الموثوق به، فلما كان الضمير كناية عن القول أو الحديث تعلق به الجار والمجرور، كما يتعلق بالحروف التي للمعاني؛ إذ الظرف والجار والمجرور يكتفيان برائحة الفعل، هذا بيان كلامهم، ومن تقريره على هذا الوجه تعلم ما في كلام بعض أرباب الحواشي من التهافت فافهمه، ولا تكن أسير التقليد.