شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[العدد، ألفاظه على ثلاثة أقسام]

صفحة 347 - الجزء 1

  والرابع والخامس والسادس⁣(⁣١): بدل الإضراب، وبدل الغلط، وبدل النّسيان، كقولك: «تصدّقت بدرهم دينار» فهذا المثال محتمل لأن تكون قد أخبرت بأنك تصدقت بدرهم، ثم عنّ لك أن تخبر بأنك تصدّقت بدينار، وهذا بدل الإضراب؛ ولأن تكون قد أردت الإخبار بالتصدّق بالدينار فسبق لسانك إلى الدرهم، وهذا بدل الغلط، ولأن تكون قد أردت الإخبار بالتصدّق بالدرهم، فلما نطقت به تبين فساد ذلك القصد، وهذا بدل النّسيان.

  وربما أشكل على كثير من الطلبة الفرق بين بدلي الغلط والنّسيان، وقد بيّناه، ويوضّحه أيضا أنّ الغلط في اللسان، والنسيان في الجنان⁣(⁣٢).

  * * *

[العدد، ألفاظه على ثلاثة أقسام]

  ص - باب: العدد من ثلاثة إلى تسعة يؤنّث مع المذكّر ويذكّر مع المؤنّث دائما، نحو: {سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ}، وكذلك العشرة إن لم تركّب، وما دون الثّلاثة وفاعل كثالث ورابع على القياس دائما، ويفرد فاعل، أو يضاف لما اشتقّ منه، أو لما دونه، أو ينصب ما دونه.

  ش - اعلم أن ألفاظ العدد على ثلاثة أقسام:

  أحدها: ما يجري دائما على القياس في التذكير والتأنيث، فيذكّر مع المذكّر، ويؤنث مع المؤنث، وهو الواحد، والاثنان، وما كان على صيغة فاعل؛ تقول في المذكّر: واحد، واثنان، وثان، وثالث، ورابع - إلى عاشر، وفي المؤنث: واحدة،


(١) اختلف النحاة في جواز بدل الغلط، فذهب سيبويه وكثير من النحاة إلى أنه جائز في النثر والنظم، وذهب بعضهم إلى أنه يجوز في الشعر، وعكس بعضهم فأجازه في النثر دون الشعر زاعما أن الشعر يقال عن روية وتفكير، وما كان كذلك لا يسوغ فيه الغلط، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز مطلقا، لا في النثر ولا في الشعر، وزعم أنه بحث عن مثال له من كلام العرب فلم يجد، وأنه طالب من لقيه ممن يثبته بمثال، فلم يأت بشيء، فاستقر عنده أنه لا يجوز، لكن قال ابن السيد: أنه وجد له المثال المنشود، وذلك قول ذي الرمة:

لمياء في شفتيها حوّة لعس ... وفي اللّثات وفي أنيابها شنب

والحوة - بوزن القوة - السواد، واللعس، - بالتحريك - السواد المشرب حمرة، والشنب: طيب ريح الفم، وهذا البيت يحتمل التأويل فلا يصلح دليلا.

(٢) الجنان - بفتح الجيم، بزنة السحاب - القلب، وهو موضع التفكير فيما ظن العرب.