شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[العلة الخامسة: العدل، وهو على ضربين]

صفحة 353 - الجزء 1

  ومما اختلف فيه التميميون أيضا «أمس» الذي أريد به اليوم الذي قبل يومك؛ فأكثرهم يمنعه من الصرف إن كان في موضع رفع على أنه معدول عن الأمس؛ فيقول:

  «مضى أمس بما فيه»، ويبنيه على الكسر في النصب والجر على أنه متضمن معنى الألف واللام؛ فيقول: «اعتكفت أمس»، و «ما رأيته مذ أمس»، وبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف مطلقا، وقد ذكرت ذلك في صدر هذا الشرح⁣(⁣١).

  وأما «سحر» فجميع العرب تمنعه من الصرف، بشرطين؛ أحدهما: أن يكون ظرفا، والثاني: أن يكون من يوم معيّن، كقولك: «جئتك يوم الجمعة سحر» لأنه حينئذ معدول عن السّحر، كما قدّر التميميون «أمس» معدولا عن الأمس، فإن كان سحر غير يوم معين انصرف، كقوله تعالى: {نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ}⁣(⁣٢).

  والواقع في الصفات ضربان: واقع في العدد، وواقع في غيره.

  فالواقع في العدد يأتي على صيغتين: فعال، ومفعل، وذلك في الواحد والأربعة وما بينهما، تقول: أحاد وموحد، وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع؛ قال النجاري ¦: لا تتجاوز العرب الأربعة؛ فهذه الألفاظ الثمانية معدولة عن ألفاظ العدد الأربعة مكررة؛ لأن «أحاد» معناه واحد واحد، و «ثناء» معناه اثنان اثنان، وكذا الباقي، قال اللّه تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ}⁣(⁣٣)، فمثنى وما بعده صفة لأجنحة، والمعنى واللّه أعلم: أولي أجنحة اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وأما قوله ÷:

  «صلاة اللّيل مثنى مثنى»؛ فمثنى الثاني للتأكيد، لا لإفادة التكرار؛ لأن ذلك حاصل بالأول.

  والواقع في غير العدد «أخر» وذلك نحو قولك: «مررت بنسوة أخر» لأنها جمع الأخرى، وأخرى أنثى آخر، ألا ترى أنك تقول: «جاءني رجل آخر، وامرأة أخرى» والقاعدة أن كل فعلى مؤنثة أفعل لا تستعمل هي ولا جمعها إلا بالألف واللام أو


(١) ارجع إلى إيضاح ذلك في (ص ٣٦) وما بعدها.

(٢) من الآية ٣٤ من سورة القمر.

(٣) من الآية ١ من سورة فاطر.