شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[العلة الخامسة: العدل، وهو على ضربين]

صفحة 354 - الجزء 1

  بالإضافة، كالكبرى والصّغرى، والكبر والصّغر، قال اللّه تعالى: {إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ}⁣(⁣١)، ولا يجوز أن تقول «صغرى» ولا «كبرى» ولا «كبر» ولا «صغر» ولهذا لحّنوا العروضيين في قولهم: فاصلة كبرى، وفاصلة صغرى، ولحّنوا أبا نواس في قوله:

  ١٤٣ - كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها ... حصباء درّ على أرض من الذّهب

  فكان القياس أن يقال «الأخر» ولكنهم عدلوا عن ذلك الاستعمال فقالوا: «أخر» كما عدل التميميون الأمس عن الأمس، وكما عدل جميع العرب سحر عن السّحر، قال اللّه


(١) من الآية ٣٥ من سورة المدثر.

١٤٣ - هذا البيت من كلمة لأبي نواس - بضم النون - وفتح الواو مخففة - واسمه الحسن بن هانئ، الحكمي، الدمشقي، يصف فيه الخمر، وقبله قوله:

ساع بكأس إلى ناش من الطّرب ... كلاهما عجب في منظر عجب

قامت تريني وأمر اللّيل مجتمع ... صبحا تولّد بين الماء واللّهب

اللغة: «فقاقعها» وردت هذه الكلمة بروايتين مختلفتين: الأولى «فواقعها» وهي على هذه الرواية جمع فاقعة، وأراد بها ما يعلو فوق الكأس من النفاخات إذا مزجت الخمر بالماء، ويروى «فقاقعها» وهي جمع فقاعة بضم فتشديد - ومعناه ما ذكرناه في الرواية الأولى، والموجود في كتب اللغة يرجح الرواية الثانية «حصباء» هي صغار الحصى.

الإعراب: «كأن» حرف تشبيه ونصب «صغرى» اسمه، منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «وكبرى» معطوف عليه «من» حرف جر «فقاقعها» فقاقع: مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لاسم كأن وما عطف عليه «حصباء» خبر كأن، مرفوع بالضمة الظاهرة، وحصباء مضاف و «در» مضاف إليه «على أرض» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من خبر كأن «من الذهب» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لأرض.

التمثيل به: في قوله «صغرى وكبرى» فإن المؤلف كجماعة من النحاة قد اعتبروا كل واحدة من هاتين الكلمتين أفعل تفضيل، وبنوا على ذلك تخطئة أبي نواس، لأن من حق أفعل التفضيل إذا كان مجردا من أل والإضافة أن يكون مفردا مذكرا مهما يكن أمر الموصوف به، فكان عليه أن يقول: كأن أصغر وأكبر من فقاقعها - إلخ، أو يقول: كأن الكبرى والصغرى - إلخ.

إلا أنك لو تأملت أدنى تأمل لوجدت الشاعر لم يرد معنى التفضيل، وإنما أراد معنى الصفة المشبهة: أي كأن الفقاعة الصغيرة والفقاعة الكبيرة من فقاقع هذه الخمر - إلخ، والصفة المشبهة تطابق ما تجري عليه، فإذا كانت جارية على مفرد مؤنث كما هنا كان الواجب فيها الإفراد والتأنيث، وهذا هو الذي فعله الشاعر؛ لذلك نرى أنه لم يأت إلا بالقياس المطرد، ومثل هذا الكلام يصح أن يقال في توجيه قول العروضيين: فاصلة كبرى، وفاصلة صغرى؛ فهم يريدون الفاصلة الكبيرة والصغيرة، ولا يريدون معنى أصغر وأكبر.