[لقبل وبعد ونحوهما أربع حالات]
  وقرأ بعضهم: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} بالخفض والتنوين.
  (٤) الحالة الرابعة: أن يحذف المضاف إليه، وينوى معناه دون لفظه، فيبنيان حينئذ على الضم(١)، كقراءة السبعة: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}.
= اللغة: «ساغ لي الشراب» سهل مروره في حلقي، وحلا مذاقه، وطاب لي شرابه «أغص» بفتح همزة المضارعة، والغين المعجمة مفتوحة في الأكثر ومضمومة في لغة قليلة، وهو من الغصص - بفتح الغين والصاد - والغصص هو وقوف الطعام واعتراضه في الحلق «الماء الحميم» - كما هي الرواية الصحيحة - هو الماء البارد، والفرات - كما في الرواية الأخرى - هو الشديد العذوبة، ومنه قوله تعالى: {وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ} من الآية ١٢ من سورة فاطر.
المعنى: يقول: إنه - بعد أن أدرك ثأره ونال من عدوه ما كان يشتهي - طاب له الشراب، وقد كان قبل أن يصل إلى هذه الأمنية إذا أراد أن يشرب الماء لم يستطع أن يسيغه.
الإعراب: «فساغ» الفاء حرف عطف، ساغ: فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب «لي» جار ومجرور متعلق بساغ «الشراب» فاعل ساغ «وكنت» الواو واو الحال، وكان فعل ماض ناقص، وتاء المتكلم اسمه مبني على الضم في محل رفع «قبلا» ظرف زمان منصوب على الظرفية، والعامل فيه النصب كان «أكاد» فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «أغص» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وجملة الفعل وفاعله في محل نصب خبر أكاد، وجملة أكاد واسمه وخبره في محل نصب خبر كان، وجملة كان واسمه وخبره في محل نصب على الحال، وقوله: «بالماء» جار ومجرور متعلق بأغص «الحميم» صفة للماء، وصفة المجرور مجرورة:
الشاهد فيه: قوله «قبلا» فإن الرواية في هذه الكلمة بالنصب مع التنوين، وذلك لأن الشاعر قطع هذه الكلمة عن الإضافة في اللفظ ولم ينو المضاف إليه لا لفظه ولا معناه، ولو أنه نوى المضاف إليه لما نوّنه، وذلك لأن المنويّ كالثابت، وإذا وجد المضاف إليه في الكلام امتنع تنوين المضاف، فكذا يمتنع تنوين المضاف مع نية المضاف إليه.
ومثل هذا البيت قول الشاعر، وينسب لبعض بني عقيل من غير تعيين:
ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة ... فما شربوا بعدا على لذّة خمرا
(١) إنما بنيت هذه الألفاظ عند حذف المضاف إليه ونية معناه لأنها أشبهت الحرف في الاحتياج إلى ذلك المحذوف كما بنيت الأسماء الموصولة لاحتياجها احتياجا متأصلا إلى الصلة، فإن قلت: فلماذا لم تبن مع ذكر هذا المضاف إليه مع أن الموصولات تبنى مع ذكر الصلة؟ فإن جواب هذا السؤال أن الإضافة من خصائص الأسماء كما قدمنا لك، فإذا ذكر المضاف إليه أو حذف لكنه كان منويا بلفظه فقد أبعد ذلك شبهه بالحرف، وإذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه صار اسما تاما، وزال الاحتياج الذي هو سبب البناء.