شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[الناصب الرابع «أن» المصدرية ظاهرة أو مقدرة]

صفحة 84 - الجزء 1

  اللام نحو: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}، إلا في نحو: {لِئَلَّا يَعْلَمَ}، و {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ} فتظهر لا غير، ونحو: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} فتضمر لا غير، كإضمارها بعد «حتّى» إذا كان مستقبلا، نحو: {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى} وبعد أو التي بمعنى إلى نحو:

  ... لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى ...

  أو التي بمعنى إلّا نحو:

  وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما

  وبعد فاء السّببيّة أو واو المعيّة مسبوقتين بنفي محض أو طلب بالفعل نحو: {لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ} و «لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن».

  ش - الناصب الرابع «أن» وهي أمّ الباب، وإنما أخّرت في الذكر لما قدمناه، ولأصالتها في النصب عملت ظاهرة ومضمرة، بخلاف بقية النواصب؛ فلا تعمل إلا ظاهرة، مثال إعمالها ظاهرة قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي}⁣(⁣١) {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}⁣(⁣٢).

  وقيدت «أن» بالمصدرية احترازا من المفسّرة والزّائدة؛ فإنهما لا ينصبان المضارع.

  فالمفسّرة هي: المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه⁣(⁣٣)، نحو: «كتبت إليه أن يفعل كذا» إذا أردت به معنى أي.


(١) من الآية ٨٢ من سورة الشعراء.

(٢) من الآية ٢٨ من سورة النساء.

(٣) يشترط في «أن» المفسرة ثلاثة شروط؛ الأول - وهو الذي ذكره المؤلف - أن تسبقها جملة دالة على معنى القول وليست مشتملة على حروفه ولا مؤولة به، فلو جئت بجملة مشتملة على صريح القول لم تحتج إلى تفسير؛ لأن صريح القول غير محتاج للتفسير، فتكون الجملة بعده مفعولا به ولا يؤتى بأن، والثاني: أن تتأخر عنها جملة، فلو أنك جئت بجملة مشتملة على مفرد يحتاج إلى التفسير، ثم أردت أن تفسر هذا المفرد بمفرد لم تأت بأن المفسرة، بل تجيء، بأي، فتقول مثلا: «اشتريت عسجدا أي ذهبا» والثالث: ألا يدخل عليها حرف جر، لفظا أو تقديرا، فإن تقدم عليها حرف جر في اللفظ نحو «كتبت إليه بأن قم» أو في التقدير نحو أن تقول:

«كتبت إليه أن قم» وأنت تنوي الباء - كانت أن حينئذ مصدرية لا مفسرة.

والأكثر أن تكون «أن» المفسرة مفسرة لمفعول به محذوف، نحو قوله تعالى: {وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ}، ونحو قولك: «كتبت إليه أن يفعل» برفع «يفعل»، وربما فسرت مفعولا به مذكورا، نحو قوله تعالى: {إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} الآيتان ٣٨، ٣٩ من سورة طه.