شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[لأن المصدرية باعتبار ما قبلها ثلاث حالات]

صفحة 85 - الجزء 1

  والزائدة هي: الواقعة بين القسم ولو، نحو: «أقسم باللّه أن لو يأتيني زيد لأكرمنّه»⁣(⁣١).

  واشترطت أن لا تسبق المصدرية بعلم مطلقا، ولا بظن في أحد الوجهين؛ احترازا عن المخففة من الثقيلة.

[لأن المصدرية باعتبار ما قبلها ثلاث حالات]

  والحاصل أن لأن المصدرية باعتبار ما قبلها ثلاث حالات:

  إحداها: أن يتقدم عليها ما يدلّ على العلم⁣(⁣٢)؛ فهذه مخففة من الثقيلة لا غير.

  ويجب فيما بعدها أمران: أحدهما: رفعه؛ والثاني: فصله منها بحرف من حروف أربعة، وهي: [حرف] التنفيس، وحرف النفي، وقد، ولو؛ فالأول نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ}⁣(⁣٣)، والثاني نحو: {أَ فَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا}⁣(⁣٤)، والثالث نحو:

  «علمت أن قد يقوم زيد»، والرابع نحو: {أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً}⁣(⁣٥)، وذلك لأن قبله {أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} ومعناه - فيما قاله المفسرون - أفلم يعلم، وهي لغة


(١) ومن شواهد ذلك قول الشاعر:

فأقسم أن لو التقينا وأنتم ... لكان لكم يوم من الشّرّ مظلم

هذا، وقد زيدت، «أن» في مواضع أخرى غير ما ذكره المؤلف هنا؛ فمنها بين الكاف التي هي حرف جر ومجرورها، كما في نحو قول الشاعر:

... كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم ...

فيمن رواه بجر ظبية، وسيأتي البيت مشروحا (رقم ٦٠) ومنها الواقعة بعد «لما» الوقتية كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً}.

(٢) المراد أن يكون ما تقدم عليها دالا على اليقين، سواء أكان من لفظ العلم أم لم يكن من لفظه نحو رأى وتحقق وتيقن وتبين. وكذلك «ظن» إذا أريد به اليقين نحو «ظننت أن سيقوم خالد» إذا أردت به معنى أيقنت، فإن كان العلم المتقدم لا يقصد به اليقين، بل يقصد به الظن، جاز أن تكون مصدرية ناصبة للمضارع، وجاز أن تكون مخففة من الثقيلة، ولهذا قرئ في قوله تعالى: {أَ فَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ} برفع «يرجع» على أن «أن» السابقة مخففة من الثقيلة، وبالنصب على أنها مصدرية ناصبة للمضارع.

هذا التفصيل هو الراجح الذي يقرره جمهور النحاة، وعليه جرى ابن هشام هنا، ومن أجله صار لأن المصدرية باعتبار ما قبلها ثلاث حالات: حالة تتعين فيها لأن تكون مخففة من الثقيلة، وحالة تتعين فيها لأن تكون ناصبة للمضارع، وحالة يجوز فيها الأمران، ومن العلماء من لم يفصل هذا التفصيل.

(٣) من الآية ٢٠ من سورة المزمل.

(٤) من الآية ٨٠ من سورة طه.

(٥) من الآية ٣١ من سورة الرعد.