شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[إضمار «أن» إما جائز وإما واجب]

صفحة 87 - الجزء 1

  أي: {ما لَمْ تَعْلَمُوا}، ويؤيّده قراءة ابن عباس: أفلم يتبين، وعن الفرّاء إنكار كون ييأس بمعنى يعلم، وهو ضعيف.

  الثانية: أن يتقدّم عليها ظنّ⁣(⁣١)، فيجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، فيكون حكمها كما ذكرنا، ويجوز أن تكون ناصبة، وهو الأرجح في القياس والأكثر في كلامهم، ولهذا أجمعوا على النصب في قوله تعالى: {أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}⁣(⁣٢)، واختلفوا في قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}⁣(⁣٣) فقرئ بالوجهين.

  الثالثة: أن لا يسبقها علم ولا ظنّ، فيتعين كونها ناصبة، كقوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي}⁣(⁣٤).

[إضمار «أن» إما جائز وإما واجب]

  وأما إعمالها مضمرة فعلى ضربين؛ لأن إضمارها إما جائز، أو واجب.

  فالجائز في مسائل:

  إحداها: أن تقع بعد عاطف⁣(⁣٥) مسبوق باسم خالص من التقدير بالفعل، كقوله


= تعلموا} كما قلنا، والأصل أن تكون الروايات المختلفة لفظا بمعنى واحد، وهذا يدل على أن «ييأس» في قوله تعالى: {أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} بمعنى يعلم، وبالتالي يدل هذا البيت على أن «أن» في الآية المذكورة مخففة من الثقيلة؛ لأنها مسبوقة بما يدل على العلم.

(١) المراد أن يكون اللفظ المتقدم عليها دالّا على الظن - وهو ترجيح أحد الطرفين الإثبات أو النفي - سواء أكان بلفظ الظن أم كان بغير لفظه، نحو خال وحسب، ومن ذلك لفظ العلم إذا لم يقصد به اليقين، بل قصد به الغالب الراجح أو أجري مجرى الإشارة، كما سبق التنبيه إليه في بيان الحالة الأولى، ويشترط لكونها مصدرية ناصبة للمضارع بعد ما يفيد الظن: ألا يفصل بين أن والمضارع فاصل غير لا النافية، فإن فصل بينهما - نحو ظننت أن سيقوم على، وخلت أن ستكون فتنة، وخلت أن لن تجيء - لم تكن مصدرية، لأنه لا يفصل بين المصدرية ومنصوبها، وتعينت حينئذ أن تكون مخففة من الثقيلة، ولما كان الفصل بين أن المصدرية ومنصوبها بلا النافية جائزا كانت محتملة للوجهين إذا فصل بينهما بلا نحو قوله تعالى {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}.

(٢) الآيتان ١، ٢ من سورة العنكبوت.

(٣) من الآية ٧١ من سورة المائدة.

(٤) من الآية ٨٢ من سورة الشعراء.

(٥) أطلق المصنف في هذا الموضع في قوله «بعد عاطف» وليس الكلام في هذا الموضع على إطلاقه، بل لا يكون ذلك إلا بعد أربعة من حروف العطف، وهي: الواو - وقد استشهد له المؤلف ببيت ميسون (رقم ١٥) وأو - وقد استشهد له بالآية الكريمة - والفاء، وثم، سنستشهد لهما في آخر شرح الشاهد الآتي (رقم ١٥)