شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[إضمار «أن» إما جائز وإما واجب]

صفحة 88 - الجزء 1

  تعالى: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}⁣(⁣١) في قراءة من قرأ من السبعة بنصب {يُرْسِلَ} وذلك بإضمار «أن» والتقدير: أو أن يرسل، وأن والفعل معطوفان على {وَحْياً} أي وحيا أو إرسالا، و «وحيا» ليس في تقدير الفعل، ولو أظهرت «أن» في الكلام لجاز، وكذا قول الشاعر:

  ١٥ - ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشّفوف


(١) من الآية ٥١ من سورة الشورى.

١٥ - هذا البيت لامرأة اسمها ميسون بنت بحدل، وكانت امرأة من أهل البادية، فتزوجها معاوية بن أبي سفيان ¥، ونقلها إلى الحاضرة، فكانت تكثر الحنين إلى أهلها، ويشتد بها الوجد إلى حالتها الأولى، والبيت من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٢٦) ولم ينسبه ولا نسبه الأعلم في شرح شواهده، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (٥٠٥) وفي شذور الذهب (رقم ١٥٦) وأنشده الأشموني في نواصب المضارع، وأنشده ابن عقيل أيضا (رقم ٣٣٠).

اللغة: «عباءة» هي ضرب من الأكسية معروف «وتقر عيني» كناية عن السرور «الشفوف» بضم الشين - جمع شف - بفتح الشين أو كسرها وهو الثوب الرقيق الناعم الذي يشف عما تحته.

المعنى: تقول: إن الذي كنت فيه عند أهلي أشهى إلى نفسي، وأجلب إلى السرور مما أنا فيه، مع أن الذي كنت فيه هناك هو المعيشة الخشنة، فقد كان لباسي عباءة من صوف غليظ، وما أنا فيه الآن معيشة ذات ترف ورفاهية، فإنني ألبس الثياب الرقيقة الناعمة.

الإعراب: «ولبس» مبتدأ، مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ولبس مضاف، و «عباءة» مضاف إليه «وتقر» الواو حرف عطف، مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، تقر: فعل مضارع، منصوب بأن مضمرة بعد الواو العاطفة، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة «عيني» عين: فاعل تقر، مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء «أحب» خبر المبتدأ، مرفوع بالمبتدأ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة «إلى» جار ومجرور متعلق بأحب «من لبس» جار ومجرور متعلق بأحب أيضا، ولبس مضاف، و «الشفوف» مضاف إليه، مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

الشاهد فيه: قوله «وتقر» حيث نصب الفعل المضارع، وهو قوله تقر، بأن مضمرة بعد واو عاطفة على اسم خالص من التقدير بالفعل، وهو قوله: لبس، وهذا الإضمار جائز، لا واجب؛ فيجوز أن تقول: ولبس عباءة وأن تقر عيني، وإذا كان الاسم المعطوف عليه مقدرا بالفعل لم يجز نصب المضارع الواقع بعد الواو، وإنما يكون الاسم مقدرا بالفعل إذا كان صفة صريحة واقعة صلة لأل.

وذلك نحو قولهم: «الطائر فيغضب زيد الذباب» وكما تقول أنت «الحاضر فيحصل لي السرور أبي» فإنه يجب أن ترفع يغضب ويحصل؛ لأن الاسم السابق عليهما مقدر بالفعل؛ لأن المعنى: الذي يطير، والذي يحضر. =