الفصل الثاني: [في الاستعانة بالفساق]
  أظن هذا القدر يغبى على مثله؛ لأنه يعلم أن عادتهم كانت جارية بشرب الخمر، وارتكاب الفجر، وضرب الملاهي، وأنّا ما فككنا عن كسرها بصنعاء وأثافت وجميع الجهات التي صحبونا فيها، فما ظهر منكر إلا أنكرناه، ولا قبيح إلا أزلناه، ولا وجب حد إلا أقمناه، وأطرناهم على الحق أطراً، ورددناهم إليه قسراً، ومنهم من ضاق عليه مجال الحق فرجع إلى العدو محارباً غير مأسوف عليه، مثل عكبر وصدِّيق وأمثالهما، وكذلك أكثر المتخلفين في الذنائب ما حملهم على التخلف إلا ضيق مجال اليقين عليهم، وفراق عادتهم في المناكير، وذلك ظاهر لمن كان معنا، فالحمد لله فلم يضرنا ذلك.
  ولعلك تعلم أن مقبل بن أبي الفتوح(١) - أيده الله، وهو من خيار عباد الله - رفع إلينا حديثاً من خبر شجاع(٢) - وهو من كبار الجند في الخموس(٣) - فأمرنا له إلى المضرب وجلدناه جلداً مبرحاً، وجاء سليمان بن خليل كالمنكر لوقوع ما حكي عنه من المنكر، والراد لشهادة مقبل، فحملت السيف فلزمني الجماعة منه، وهو من عفاريت الجند وشياطينهم.
  أو لست تعلم أنا في المطرح(٤)، وأن أبا العشائر(٥) ضرب غلامه فوصل شاكياً فأمرت له فكره، فأمرت بتقريب الفرس وعزمت على الركوب وقصده بنفسي، حتى
(١) مقبل بن أبي الفتوح الحارثي، من الأخيار أهل الدين والورع، ولاه الإمام # قبض الحقوق الواجبة في الجوف. السيرة المنصورية (١/ ٢٤٢).
(٢) شجاع: هو ابن أخت السلطان جكو بن محمد، وكان من كبار الغز وقوادهم، وممن التحق مع السلطان بالإمام المنصور بالله #.
(٣) الخموس: قرية مشهورة في بلاد عذر من العصيمات، بها قبر الأمير الشهيد مجد الدين يحيى بن الأمير بدر الدين محمد أحمد بن يحيى بن يحيى.
(٤) المطرح: اسم لموضع بالقرب من الخموس في الأهنوم.
(٥) أبو العشائر بن بطل الشيباني، من عفاريت الكرد وشجعانهم، وكان ممن أتي إلى الإمام # من الغز بعد قتل جكو والخروج من صنعاء، ولم يدع الإحسان إليه مدة إقامته في خدمة الإمام #، وشهد معه غزوات كثيرة، منها غزوة المطرح وسراقة والمحالب وحرض ودوبع ونجران، وراح مع علي بن حنظلة غازياً إلى بلاد سنحان ثم إلى بلاد بني شهاب، ووقعت بينه وبين مبارز هلدري منافرة فراح بغير فسح من الإمام، وخدم مع شهاب، ثم انتقل إلى خدمة وردسار، فاستقر في الجنات في الخيل التي معه، وبسط يده في البلاد ودمر أهلها، ولا توقف عن مضرة في بلاده المتصلة في البون يقدر عليها بفعل أو قول، ثم انتقم الله منه.