وأما الفصل السادس
[بعض محاسن الدولة المنصورية]
  واعلم أن الموعود في الدعوة قد كان أوفى منه بحمد الله تعالى، فكم والله من بطن جائع شبع، ودم حقن، ومنكر رفع، وخائف أمن، وظلم زال، وعدل رجع، ونور سطع، بهذه الدعوة السعيدة، والدولة الرشيدة، في أكثر البلدان، لا يُحصي عديدَهم إلا اللهُ الرحمن، ففكر في أمر الجوف ونجران، وراحة وبلاد سنحان، وما كان ينزل بهم من الجوع والخوف، ويسفك بينهم من الدماء، ويركب من الدهماء، وما كان يقع من رعي الزرائع، وقطع الحلج، وقلع الأشجار المثمرة، فهل علمت ما هم فيه من الخصب والدعة، وهم بذلك عارفون، ولله حامدون، ولما كانوا فيه من الشر واصفون.
  ثم فكر في راحة وبلاد سنحان، وما والاهما من البلدان، هل كان أحد من أهل العقول العارفين بهم يشك في موت أكثرهم هزلاً؟ لولا هذه الدولة السعيدة؛ لأن القوي كان يأكل الضعيف، والباغي يقطع السبيل، وتُسفك دماء العابرين، فتُقطع الميرة من بلاد الريف فيهلك الناس.
  ثم انظر أهل الحبوس، وكم عتق فيها من النفوس، ثم تتبع في جميع الأمصار كم لحق ممن أجري عليه اسم الرق بالأحرار، وكم استُخرِجَ من الحقوق الداثرة، وكم جُدِّدَ من الأحكام الطامسة.
  فإن أراد - أرشده الله - أنا ألزمنا أنفسنا أن لا يجوع بطن في دولتنا:
  فذلك مما لا يتوهمه أحد من أهل العلم، بل العقل، إذ أمرنا هذا يحمل الأكثر من الصالحين على أن تجوع بطونهم، وتعرى أجسادهم، ويهون ذلك عندهم في صلاح هذه الأمة، والتزام معظم أحكام الشريعة، ويرون أن لا تترك السنة لوقوع شيء من البدعة.