السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جهاد الفساق أولى من جهاد الكفار]

صفحة 331 - الجزء 1

  إلى سد باب الجهاد، وسقوطه عن الحاضر والباد، لأنه لا يتأتى - فيما نعلمه ويعلمه من باشره - إلا بإجراء الأحكام على عمومها من دون تخصيص، فإن كانت الدار قد تمحضت للفاسقين بحيث لا يمكن للمؤمنين موالاة المؤمنين وولي أمرهم إلا بذمة أو جوار وجب عليه الانتقال، فإن لم ينتقل كان آثماً ولحق بهم، وإن كان ضعيفاً لا يتمكن من الانتقال أو يتيماً، كان حكمه حكمهم فيما لم يمكن تمييزه فيه؛ لأن القول بغيره يلزم الحرج أو يسد باب الجهاد، وكلاهما باطل، فيجب اطراحه.

[جهاد الفساق أولى من جهاد الكفار]

  وإذا كان جهاد الفساق - كما قلنا أولاً - أولى عندنا من جهاد الكفار، فقد روي مثل ذلك عن المرتضى محمد بن يحيى # في كتابه المسمى بأصول الدين، ومثله روي لنا عن المؤيد # أنه قال في كتاب (الزيادات) أنه قال: (ومجاهدة أهل البغي عندي أفضل من مجاهدة الكفرة في ديارهم).

  ومما يؤيد ذلك: ما روي عن عبد الله بن مسلمة قال: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً آدم طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترتعد فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت هذه الراية مع رسول الله ÷ ثلاث مرات وهذه الرابعة، وما هي بأبر ولا أتقى في المرات التي حاربتها مع رسول الله ÷، كنا نجتهد في زلزال أقدامهم، ونكس أعلامهم، ومحو آثارهم، بكل ممكن، وليس ذلك إلا بتدمير كل دار يسكنون فيها ويأوون إليها؛ ولأنا نعلم أن الضعفاء لهم كالآلة، إذ عليهم أكثر مدار أمرهم، وبأموالهم ومنازلهم يتوصلون إلى ظلمهم، فكما لو اتخذوهم جنة في الحرب قتلناهم، كذلك إذا جعلوهم فئة أزلناهم، ولا يمتنع مصير المحظور باعتبارٍ واجباً، وجائزاً باعتبار،