[حكم مكة قبل الفتح وحكم بقاء المؤمنين فيها]
  في الانتهاء، كما أن الكفر في بدء الأمر لا يمنع حصول الإسلام فيما بعد إذا حصل ما يوجبه، وقد حكى النبي ÷ فتن آخر الزمان ونحن نرويه مسنداً وفيه طول، وإنما زبدته أنه قال: «فتن كقطع الليل المظلم يمسي فيها المرء مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً»، والكفر بأنواع شتى، ما هو بمجرد عبادة الأصنام وتكذيب الأنبياء $، بل قد يكون بذلك، ويكون بإنكار فعل من أفعال الله، أو حكمة من حكمه، أو بإضافة أفعاله إلى غيره، أو فعل غيره إليه، أو موالاة الكافرين وإن صح اعتقاد المكلف، أو نزول دار الكافرين للسكنى والتآخم دون السفر والاستطراق.
[حكم مكة قبل الفتح وحكم بقاء المؤمنين فيها]
  فأول ما ذكر في حديث مكة وأنها دار كفر قبل الفتح:
  ولا إشكال في ذلك ولا خلاف بين العلماء، ثم أنكر أن تكون دار كفر وفيها أحد من المسلمين، فجهل الحكم وغمص الجواب، وغبّر في وجه الدليل.
  أما قوله: بأنه ما كان فيها مؤمن ولا مؤمنة، ونفى ذلك، وذكر قصة آية الفتح:
  فهذا من عجائب السؤال؛ لأن آية الفتح هي الدلالة على أنه كان فيها مؤمنون ومؤمنات كثيرة، ومهما أمكن إنكاره فلا يمكن إنكار أن أم هانئ رحمة الله عليها كانت يوم الفتح في مكة، واستجار بها رجلان من أحمائها من بني مخزوم فأجارتهما، فأراد علي قتلهما، فمنعته، فرفعا قصتهما إلى النبي ÷ فأجاز جوارها.
  ومهما أمكن إنكاره فلا يمكن إنكار أن مكة حرسها الله تعالى دار كفر، والنبي ÷ والمؤمنون من قريش وغيرهم فيها يظهرون الإسلام، ويشهدون شهادة الحق، ويغالبون بعض مغالبة، والدار مع ذلك دار كفر، لإظهار الكافرين فيها