السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الإخلاص أول شرائط الولاية]

صفحة 425 - الجزء 1

  وكم هنالك من شقي نسي آخرته، واغتر بدنياه، وآثر هواه على هداه، ففاتته الدنيا وشقي في الأخرى، فيا لها حسرة ما أعظمها، فكيف يغترُّ من يعلم حقيقة هذا.

[الإخلاص أول شرائط الولاية]

  فيا أيها العامل: اعلم من تعامل، إن الغلول من جمر جهنم، وإن الأمانة - تكاليف الشرع الشريف على بني آدم - عُرض على أهل السماوات وهم الملائكة $، وعلى أهل الجبال والأرض وهم الجن، فأبوا حملها وأشفقوا منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.

  فإذا دخلت على اسم الله على إمامك، وقد رأيت نفسك أهلاً للعمل ورآك أهلاً لذلك، فلتكن نيتُك خالصةً لله تعالى في تحري النفع للمسلمين في الدنيا، والنفع لنفسك في الأخرى، ولا تجعل همك جمع الحطام، وكسب الآثام، وكن فيما وليت من الأعمال كالماشي في النار أحب شيء إليه الخروج منها، ولا تخلد إلى لذة الكسب والادخار، ولا تفتتن بنخوة الأمر والنهي، وازدد لله تواضعاً تزدد عنده رفعة، وأخلص العمل لله سبحانه فإنه لا يقبل إلا الخالص لوجهه، المتعري عن أن يراد به غيره، لا تقاتل ليقال شجاع، ولا توفر ليقال أمين، ولا تتفقد أحوال المسلمين ليقال ضابط، ولا تتألف النافرين ليقال سائس بصير، فإنك إن عملت ذلك لله، قيل كل ذلك فيك، وحمدُ الله أكثرُ وأشرفُ من ذلك، ولم يُنقص من أجرك شيئاً، وإن أردت به قول الناس كان ذلك حظك عند الله غداً، وأظهرُ الناسِ خسارةً من كان حظه عند الله غداً حرثَ الدنيا.

  وإن كان إمامُك هو الذي يأمر إليك ليستعملك، من دون أن يخطر ذلك ببالك، فأنت أعلم بنفسك، إلا أن يتبين لك وجهاً كنت تجهله، فإن أحسست من نفسك