وأما الكلام في الوجه الثالث:
وأما الكلام في الوجه الثالث:
  وهو نفي دعوى الإجماع في هذه المسألة بمجرد ما يوجد في كتب المتقدمين، أو يسمع من آحاد المجتهدين.
  فاعلم أيدك الله: أن الإجماع: هو الاتفاق من أهل كل عصر على حكم من الأحكام، إما بأن يقول جميعهم بلفظ واحد، أو مؤد إلى معنى واحد، أو يكون الحق في ذلك واحداً فيظهره واحد أو أكثر من واحد، والموانع مرتفعة، فلا ينكره أحد، أو يقول واحد أو أكثر من واحد: هذا رأينا ورأي هؤلاء، ولا يكون للسكوت وجه يصرف إليه، ثم يسكتون أو يقولون: نعم، ولهذا تفاصيل هي بحمد الله للشيخ الأجل معلومة، وقد أودعنا كتاب (صفوة الاختيار) ما فيه كفاية.
  فإن صح ذلك كان إجماعاً وإلا فليس بإجماع، وليس هذه المسائل - أيدك الله - مما الحق فيه واحد، بل هي من مسائل الاجتهاد وفروعها أيضاً، واجتماع الأمة على قول فيها غير ممكن؛ لأنها حدثت بعد تباعد أطراف الإسلام واتساع نطاقه، وقد صار طرف الإسلام طرسوس(١) ومضيق قسطنطينية وبلد الهند، وكانت شوكة السند في ذلك الوقت أقوى، وعلى النوبة خراج من رؤوسهم مضروب يؤدونه كل عام، وفي جهة الشرق إلى وراء النهر، فكيف يمكن ادعاء علم ما عندهم في هذه المسألة عموماً، مع أن العلماء فيهم كثرة.
  وإن شئت أن ترجع إلى أهل البيت $: فَتَشَتُّتُهم كان في أيام عبد الله بن الحسن $، ولحاق إدريس بن عبدالله وولد سليمان بن عبد الله بالمغرب،
(١) وطَرَسُوسُ: كحَلَزُونٍ، وعُصفُور: بلدٌ بالشام.