[القضاء من أهم أعمال الإمامة]
[القضاء من أهم أعمال الإمامة]
  فلما لزم أمير المؤمنين هذا الأمر، لما جعل الله سبحانه له من الخلافة في أرضه، ووراثة نبيه ÷، وكان من مهمات الدين، ولم يكن في وسع أمير المؤمنين أن يشتغل به مع ما تحمل من سياسة الجمهور، وسد الثغور، وإبرام الأمور، وكيف يتمكن من فصل القضاء مع ما تعلق به من علاج الدهماء، رأى أن يوليك في جماعة من إخوانك هذا الأمر، بمثل ما حمله به في الأصل من أمانة الله ø وعهده، وترك اتباع الهوى، والصبر على الأذى.
  فإن هذا الأمر من أهم أبواب التكليف وهو أخو القتال، لأنه ميدان الجدال، كم من صريع فيه بشفار المقال، وذائد بمذوده كماة الرجال.
[تعليمات الإمام للقضاة]
  فاجعل أيدك الله شعارك التقوى، ودثارك الحياء، ومثل عند جلوس الخصوم بين يديك وقوفك بين يدي الملك الأعلى، في مقام لا يخلصك من هوله إلا حجة ظاهرة صحيحة، تشهد لك بها الأملاك، ويصدقهم فيها الحَكَم الملَّاك.
  فإذا مثلت ذلك في قلبك جعلت العدل ميزانك، والعقل وزّانك، والأناة سلطانك، والثبات برهانك، والكتاب إمامك، والسنة زمامك، وإجماع العترة سلام الله عليهم والأمة خطامك، وكنتَ ذلولاً للحق لتعزّ في دار الجزاء غداً.
  أما اتباع الكتاب: فلما قال تعالى في صفته {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}[فصلت: ٤١ - ٤٢]، فهو نور يستضاء به في الظلمات، وسراج يجلي حنادس المهمات.