السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[النكير على أهل التشدد والأمر بحسن الظن]

صفحة 341 - الجزء 1

[النكير على أهل التشدد والأمر بحسن الظن]

  وبلغنا ما انتهى إليه أمركم في الطهارة الذي ابتدأتموه جزماً وانتداباً، فصار بالاستمرار عليه وقلة التساهل فيه فرضاً وإيجاباً، وإنما مبدأ وقوع الفتن في الدين أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يُخالف فيها حكمُ الكتاب الذي لم يجعل الحكيم سبحانه له عوجاً، ولا أنزل على عباده الصالحين فيه ضيقاً ولا حرجاً، وقد صرح بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨]، معناه: من ضيق - والله أعلم -.

  ولا حرج - عصمنا الله وإياكم - أعظمَ من صيرورة المؤمن عن أخيه عزيلاً، فلا يجد إلى مخالطته سبيلاً، يأتمن على طهارته عُرسَه وعبدَه، ويتهم أخاه الذي فرض الله عليه مخالطته وودَّه، ألا فخذوا الأمر - رحمكم الله - عن تراجمته وأربابه، وابتغوا تفصيل مجمل هذا الدين في نصابه، ولا تَكلفوا ما لم تُكلفوا، ولا تحملوا ما لم تُحملوا، فإن الدين قويم، والرب رحيم.

  واعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن أمر تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، بهم نفى الله ربق الذل عن أعناقكم، وبهم يفتح ويختم لا بكم، والله ما هو قول قلته من تلقاء نفسي، ولكني سمعته عن أمير المؤمنين جدي، صلى الله على نبيه وعليه، وعلى من ارتقى من الطاهرين إليه، ألا فخذوا عنهم دينكم، واقتصوا آثارهم، وتأملوا أخبارهم، فإنهم لا يصدونكم عن هدى، ولا يدلوكم على ردى، وتعاونوا كما أمركم الحكيم سبحانه على البر والتقوى، لتفوزوا