وأما الفصل السادس
[ثناء الإمام على صفي الدين محمد بن إبراهيم ذي الكفايتين]
  ومما يشاكل ذلك حكايته - أرشده الله - عن صفي الدين - أيده الله -، وما عرَّض به وصرح من جبنه:
  فإن جميع العقلاء الذين خبروه يعلمون ضد ما حكى عنه - أرشده الله - ويعلمونه من شجعان أهل زمانه، وأفضل أبناء جنسه، وله طهارة النشأة معروفة، لا ينازع فيها أحد من أهل بلاده، وصلابة القلب مشهورة، لا يماري فيها أحد من أضداده وأوداده، وهو الذي يصمد إلى الثغر الذي تزلزل فيه الأقدام، ويجعله حرماً آمناً لأهل الإسلام، ثم ها نحن اليوم نشاهد شواهد ما ذكرنا:
  منها: ما نعلمه من قصده إلى بلد حاشد، فقرر فيها كل شارد، وغاض كل حاسد، ونفى كل معاند، وجنود الظالمين متراكمة، وجموعهم متعاظمة، وليس بينه وبينهم سد مضروب، ولا حصن منصوب، ثم قصد بعد ذلك ريدة، وبنو صاع كارهون لقصده، مُحالفون لضده، وعسكر الضد منه غير بعيد، والقلوب قد كادت تبلغ الحناجر، بصعدة والظاهر فغشم غشم السباع، وقاد بأزمتها بني صاع.
  ومن أظهر الأدلة - وإن لم ينصب على الضروري دليل -: كونه على باب الجنات وإسماعيل وجنوده نازلون بالهجر، أفهكذا فعل الجبان أرشدك الله، أفليس الجبان يجوز المستحيل، إذا رأى غير شيء ظنه رجلاً، وهذا كما ترى أبطل حكم المشاهدة، وهذا بعد مَشاهد نَصّ فيها جبينه للسيوف، وأثبت قدميه لمحاساة كأس الحتوف، ولسنا نخاف أن يستعظم هذا الحال من يعرفه حق المعرفة، ولا نخشى أن يصفه بغير هذه الصفة، أفهذه أفاعيل الجبان - أرشدك الله -؟!.