وأما الفصل الرابع
وأما الفصل الرابع
[في تألف الفساق بالأموال]
  فالكلام في تألُّفه للفساق بأموال الله سبحانه، وإيثارهم بها على جهة الاستمرار، وتقويتهم بالكراع والسلاح دون المؤمنين، وإيثاره لقرابته وإخوته بما حصل من غنيمة وخراج دون غيرهم، واتخاذهم بطانة وما ذكر من احتجابنا إلى انتهاء ما ذكر.
  واعلم أرشدك الله: أن الكلام في ذلك على نحو ما قدمنا من أن الكلام يتعلق بهذين الأصلين، فإذا انهدما سقط ما ابتنى عليهما.
  أما الكلام في تألفنا للفساق: فلا شك في ذلك ولنا في رسول الله أسوة حسنة، وقدوة مستحسنة، ولم تزل تلك سيرته ÷ من ابتداء أمره إلى انتهائه، يعرف ذلك من عرف سيرته، ولأن الحاجة إليه في الابتداء أشد منها في الانتهاء، وجوازه ووجوبه مبني على الحاجة، ولقد عامل يهوديّاً فطلبه اليهودي قضاء الدين، فتبطأ عليه حتى أسمعه ما كره، فوثب عمر فتهدد اليهودي بالقتل، فقال ÷: «نحن إلى غير ذلك منك أحوج»، قال: على ماذا؟ قال: «تأمره بحسن الاقتضاء، وتأمرنا بحسن القضاء، اذهب إلى صدقة بني فلان فأعطه كذا وكذا» فزاد اليهودي من الزكاة ليظهر جلالة الإسلام، وعناء المسلمين في سماحة نفوسهم، ليقع في قلبه هيبة، مع أن حاجة المسلمين كانت من مبعثه ÷ إلى وفاته، فصلى الله عليه حيّاً وميتاً.
  وقيل له: إلى متى نحن في هذه الشدة؟ فقال: «ما دمت فيكم، فأحدثوا لله شكرًا»، فكان كما قال.