[تحريم السكنى في دار الحرب وحكم الساكن فيها]
  ولقد حكى لنا بعض قواد ابن أبي هاشم أيام كانوا يمكسون الحاج قبل أن يفديه منهم الخليفة وسلاطين مصر والشام بالأقطاع أنهم كانوا يمكسون حتى رأس أمير الخليفة عن رأسه، وهذا أكبر دليل على الظهور والقدرة، فلو قدر أن الجبر والتشبيه غلب عليها - والعياذ بالله تعالى - لانقلبت دار كفر حكماً، أو كان سلطانها المنفذ للأحكام فيها جبريّاً، ولو كان رعيتها أهل عدل وحق لكانت دار كفر شرعاً، ولو أظهر أهل العدل عدلهم وأهل الحق حقهم فهو لا يبلغ إلى إظهار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه حقهم ودينهم ولم تأخذهم لومة لائم، وأسالوا الدماء، وكانت منعتهم في تلك الحال وشوكتهم أحدّ من شوكة المعتقدين للحق في صنعاء، الذين لو جُرَّ أحدهم بالحبل للصلب ما وجد ناصراً بالمغالبة، وأولئك كانوا يناصرون ويغالبون ويقاتلون، كما فعل حمزة بن عبد المطلب في رأس الكفر أبي جهل بن هشام وشجه الشجة العظيمة بالقوس في نادي بني مخزوم فما قدروا على التغيير، وكذلك سعد بن أبي وقاص وضربُه المشركَ بلحي بعير ميت فشجه شجة عظيمة، وهو أول من أسال دم الكفار في دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله، فكانت مع ذلك ومع هذه الحال الدار دار كفر، ولم يقع النزاع بالحق وإن ظهر حكم لما كان الغالب الكفر، فتيقظ لذلك وتأمله.
[تحريم السكنى في دار الحرب وحكم الساكن فيها]
  ومن أقام مع أهل دار الحرب ساكناً ومتابعاً تجري عليه أحكامهم، وتنفذ فيه أوامرهم بغير إذن، أو جاورهم أكثر من سنة فإن حكمه يكون حكمهم، ولا تعصمه طاعاته، لأن إخلاده إلى القوم ينقض حكم إيمانه شرعاً، وقد قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود: ١١٣]، وهذا خطاب للمؤمنين، والنار لا تمس من بقي لإيمانه حكم، فاعلم ذلك.