وأما الفصل السادس
  بعض المسلمين دعاه، فعمدت إلى ذلك فشربته، فلما أوى رسول الله ÷ إلى فراشه سألت من كان معه هل دعا أحد رسول الله ÷؟ قال: لا، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله سبحانه، قال: فلا والله ما سألني عنه، وذلك من مكارم أخلاقه ÷، وما علمنا أحداً منهم عيره بخبزه ومائه وخزيرته وتمره ولبنه.
  ولقد كانت أم سلمة ^ تسقيه كل يوم عسلاً، فغاظ ذلك عائشة وحفصة فتعاملا على أن أي واحدة قَبَّلها رسول الله قالت: ريح فمك معافير، - والمعافير: صمغ العرفط والسلم -، ليتوهم ذلك من العسل فيكرهه، وكان # يكره الرائحة الخبيثة، فلما أجمعا على ذلك جاءت أم سلمة ^ بذلك فحرمه على نفسه وحلف منه بذلك، فنزل فيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١]، هذا أحد القولين في آية التحريم، وهذا بعد أن تكون السجية الجود، والطبيعة الكرم والإحسان إلى المسلمين عامة وخاصة، لا يمتنع وقوع ما قدمنا؛ إذ الاحتراز منه يبعد، وذلك معلوم لكل عاقل، وهل يمكننا إشراك المسلمين في متاع الجفنة والجفنتين، ونحن نعلم من نفوسنا ويعلمه الصالحون منا، ويشهد به ظاهر الحال، أنا نوسع على المسلمين في خاصة أموالنا، ونعطيهم في بيوتنا مكنون بيوتنا، وذلك لنا لا لهم، ولو كان تصنعاً زال في أسرع الأحوال.
  وهاجنا على ذكر ذلك ذكر جفان اللحيح، فلقد بلغ من شأنها أن ذكرت في الأوراق والدفاتر، وفُرِّغت له أفواه المحابر، ولا نأمن أن يرقى ذكرها إلى المنابر، ويَشعر بها البادي والحاضر، أفلم نُجري على المسلمين الكفايات على وجه الاستمرار، إلا عند اعتراض عذر، فنعوذ بالله من هفوة تتبعها جفوة.