السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[النكير على أهل التشدد والأمر بحسن الظن]

صفحة 342 - الجزء 1

  عند الله غداً، وليس من المعاونة أن تمنع أخاك آلة الدين، وتجعله في إصلاح أمره ظنين، وإنما يصلح هذا الدين بإساءة الظن بأنفسنا، وتحسينه بإخواننا، فإذا أسأنا الظن بإخواننا وحسناه بأنفسنا، كنا قد عملنا بعكس الواجب في ذلك.

  وقد روينا في تفسير سورة القيامة في معنى قوله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ٢}⁣[القيامة]، ومعناه: أقسم بالنفس، فأتى بـ «لا» وهو لا يريدها، ومثله في كلامهم كثير، وهي نفس المؤمن لا تزال تلومه على أفعاله وأقواله حتى يلقى ربه، ونفس الكافر تُحسِّن له فعله وقوله، وإنما نحن وأنتم في تجديد شريعة قد انطمست أعلامها، ونقص تمامها، فلا تردوها عن منهاجها، واسلكوها على أدراجها، فإنما هلكت الأمم من قبلكم بإفراطهم في دينهم، وفعلهم ما لم تأتهم به رسلهم، ولا نزله الله تعالى في كتبهم، فأصبحوا خاسرين، والله تعالى بمصالح العباد أعلم، وفيما أمرهم به أرأف وأرحم، ولم يقبض نبيه ÷ حتى أكمل له دينه، وأتم علينا وعليه بذلك نعمته، فقال لا شريك له: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}⁣[المائدة: ٣]، فنزلت في حجة الوداع في منى.

  فروي في الآثار أن عمر بن الخطاب بكى لذلك فقال له رسول الله ÷: «ما يبكيك؟»، قال: يا رسول الله، كنا في زيادة إلى أن تم ديننا، وما تم شيء إلا نقص، فقال له #: «صدقت»⁣(⁣١).


(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسير سورة المائدة رقم (٨٧٩٧)، وابن كثير عنه، وروى نحوه المتقي في كنز العمال، رقم (٤٣٥١) وعزاه إلى ابن راهويه، وعبد بن حميد.