[آداب مجلس القاضي مع الخصوم]
  وقلنا يكون لك مكان معلوم: لأن يقصده المضطر دون غيره من الأمكنة فيهون عليه قصده.
  وتفقد حالك عند جلوسك لهم من الشوائب الشاغلة عن الفكر الثاقبة، فلا تكون مضطراً اضطراراً يمنعك عن القيام بما يلزمك من النظر فيما جلست له، من داع إلى طعام أو شراب، أو امتلاء مفرط، أو دعاء إلى الخلوة شديد لإماطة بعض المؤذيات.
  واجلس لهم في كل يوم جلسة أو جلستين.
  واخرج لهم في كل وقت تمسهم الحاجة إلى خروجك، وإن كنت قد أديت وصفتك، لأن الناجمة المهمة يجوز حدوثها، وليس لها معرج دونك، ولا ملاذ بغيرك.
  فإذا جلسوا إن شاء الله بين يديك، فساو بينهم في بشرك وبشاشتك، ولحظك وإشارتك، وتحيتك وإنصافك، حتى لا يطمع قوي في حيفك، ولا ييأس الضعيف من عدلك.
  ولا تحكم لأحد الخصمين بمحضر خصمه حتى تسمع كلام خصمه، فإذا توجه الحكم عليه لم تقطع به ولم تبينه حتى تسأله هل بقيت له حجة يدفع بها، فإن قال: لا، حكمت، وإن أدلى بحجة قبلت.
  وابدأ بفصل خصومة الضعفاء منهم والغرباء وأبناء السبل على منازلهم، ولا تطل الحجاب عنهم، واذكر عند تشاغلك عنهم وصية الله سبحانه فيهم وبهم.
  وإن غاب أحد الخصمين أو تمرد حكمت عليه وإن كان غائباً، لأن لا تبطل الحقوق، فإن حضر وأدلى بحجة قبلت، وإلا كان الحكم قد انبرم، ولا بد لك بعد الاستعانة بالله سبحانه من الوعظ لهم، وتخويفهم بأيام الله سبحانه وسطواته بمن