الرسالة الأولى: الناصحة المشيرة في ترك الاعتراض على السيرة
  بن أبي معبد هو الذي خَذَّل عن رسول الله ÷ يوم حمراء الأسد(١)، وكذلك في حلفه لبني مدلج، إلى غير ذلك.
  فهذا فصل قد صح، فإذا جازت الاستعانة بالكفار جاز بالفساق بطريقة الأولى، فهو ظاهر من قول آبائنا $، وعليه دلّ فعلهم، وعليه تحمل استعانة علي # بقتلة عثمان، ونهوضه بأصحابه يريد صفين المرة الأخرى، وهو
(١) حمراء الأسد: جبل أحمر جنوب المدينة على بعد ٢٠ كم تقريباً، عسكر فيه النبي ÷ في اليوم الثاني من غزوة أحد، يوم الأحد ١٦ من شوال سنة ٣ هـ، حين خرج لمطاردة قريش، ومنعها من العودة للقضاء على المسلمين، ورفع الروح المعنوية للمسلمين بعد أحد، عندما علمت قريش بخروج المسلمين نحوهم آثروا الفرار خوفاً من المسلمين، وبقي المسلمون في حمراء الأسد ثلاثة أيام، ثم عادوا إلى المدينة.
أقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله ÷ فأسلم، ويقال: بل كان على شركه، ولكنه كان ناصحاً لرسول الله ÷ لما كان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف، فقال: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك، فأمره رسول الله ÷ أن يلحق أبا سفيان فيخذله.
فخرج من عند رسول الله ÷ ولحق أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، فلما رأى أبو سفيان معبداً قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقاً، قد اجتمع إليه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا فلهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط.
قالوا: ويلك ما تقول، فقال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل.
قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فأنا أنهاك عن ذلك فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتاً من شعر. قال: وماذا قلت؟ قال: قلت:
كادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل