السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الجواب على الإعتراضات على السيرة]

صفحة 216 - الجزء 1

  وأما كثرة المأخوذ أو قلته: فلا يتبين به الأمر إذا كان تابعاً في ذلك لأمر الله سبحانه، وقد أخذ أمير المؤمنين جملة من الناس كما قدمنا في صاحب الاحتكار، فهل كان ذلك دليلاً على قلة ورعه، وكثرة طمعه.

  وأكثر ما يتوهم - على بُعده - أن الورع لا يتضح إلا بأن يأخذ بعضاً ويدع بعضاً، فإذا كان يأخذ الكل فبما يتضح ورعه، هذا تقوية منا للسؤال ليتضح الجواب.

  والكلام في ذلك: بأن هذه الأمارة التي ذكرت باقية، لأنه لا يأخذه على القطع في أول وهلة على حين غفلة، وإنما ما تمس الحاجة إليه في الدفع عن الدين، وتقوية شوكة المسلمين، ولو قُدِّر أخذ الكل ودعت الحاجة إليه لاتضح الورع، بأن لا يأخذ منه شيئاً لنفسه، ولا يدخره لعقبه، بل ينفقه في سبيل الله سبحانه.

  وما الذي أباح مال الكافر جملة إلا بالشرع؟! ولم ينقض ذلك من ورع الإمام.

  ومثله إباحة مال المسلم جملة على وجه دون وجه، وقد قال رسول الله ÷ «اجعل مالك دون دمك، فإن تجاوز البلاء فاجعل مالك ودمك دون دينك»، ولم يستثنِ.

  ولقد ذكر في باب ورع يحيى بن الحسين #، أنه رد يده من سنبلة، لقول دافعها إليه: ليست من مالي، وإن دوابه وقفت ثلاث ليال يأكلن قضباً خالصاً، لعدم التبن إلا تبن الأعشار.