السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

كتاب الأجوبة الكافية بالأدلة الوافية

صفحة 217 - الجزء 1

  وها نحن - ونعوذ بالله من تزكية أنفسنا افتخاراً، أو إطرائها استكباراً - تقيم خيلنا ليلتين وثلاثاً، ومعنا بيت المال وما يجوز لنا تناوله، فلا نناولها شيئاً منه تحرجاً وتنزهاً، ولأن ندع بينها وبين الحرام مرحلة من الحلال، وذلك مما يعلمه من عاشرنا ضرورة.

  ولا يمكن أحد يدعي علينا دعوى صحيحة أنا أخذنا من هذه الأموال - التي نلزمها الرعايا للجهاد - درهماً فرداً أو تمولناه، وأن الذي يخصنا لاحق ببيت المال، والمنة لله علينا في ذلك، فلم ينقض ذلك شرط الإمامة.

  وهل يجوز لولي اليتيم إذا خشي على جملة المال التلف المصالحة بنصفه إن كان من الظالم، أو الإصلاح بنصفه وإن كان من الحوادث، كعمارة الأرضين؟!

  فلا بد من نعم.

  ومعلوم أن الدين أهم من المال، فإذا خشينا عليه الفوات أقمناه بنصف المال، أو بكله إن عظم البلاء، وفي الله العوض، وكان الورع - والحال هذه - لا يزول، ولا تقضي - والحال هذه - بذلك فيه العقول، والإمام نازل مع الأمة بمنزلة ولي اليتيم، ولا خلاف في ذلك للنبي #.

  وقد قال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}⁣[الأحزاب]، وللمسلم بل عليه إتلاف ماله في طرق البر على بعض الوجوه كما قدمنا، فثبت مثل ذلك في الإمام، ولو فعل ذلك في مال نفسه لم يقض أحد بقلة ورعه، بل يزداد ورعاً، وليس ذلك إلا لأن له في ماله اليد، وقد رأيت أن النبي أولى به من نفسه، وللإمام ما للنبي #، لكونه قائماً مقامه.