[حول إجراء أحكام الإمامة]
  واعلم أيدك الله سبحانه: أن رسول الله ÷ بعث في قوم أخيار كَفَوْا رسولَ الله ÷ مؤونة أنفسهم، وشاطروه أموالهم، ودعاهم إلى الإنفاق فبادروا، وقال ÷: «خيركم القرن الذي بعثت فيه، ثم الذي يلونهم، ثم الذي يلونهم، ثم يأتي بعد ذلك قوم سمان يحبون السمن، ويشهدون قبل أن يستشهدوا»، وقد كان ÷ يوم الأحزاب عزم على مصالحة المشركين بنصف تمر المدينة، وفيهم اليتيم والعبد الصالح، وأموالهم لم يتعين بعدُ فيها حقوق، وإن كان ففي الهين؛ لأنهم أسلموا عليها، لولا وصول السعدين - سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة - فأخبراه بقوة عزمهما، وشدة بأس قومهما، وعلم أنهما لا ينطقان إلا بالحق، فخلف ذلك بعد أن كتبه، فإذا عزم على أخذ مال المسلمين، وهو لا يعزم إلا على ما يجوز، وإعطائه المشركين لدفع ضررهم، فبأن يأخذ مال المسلمين لتقوية المسلمين أولى وأحرى.
  وأنت تعلم - أيدك الله - أن أكثر أهل زماننا هذا ما معه من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدين إلا رسمه، لا يقيم الصلاة، ولا يؤتي الزكاة، ولا يخرج صدقة الفطر، ولا كفارة اليمين، ولا يحترز عن التصرف في المغصوبات، وأكل الربا، وارتكاب الشبهات، فمالُه مستحق على الحقيقة، وطريقته أخبث طريقة، ويده مغموسة في الحرام، وهو متلبس بالآثام، فمالُه - والحال هذه - حلٌّ للغانمين، وحكمه مخالف لحكم المسلمين، وهو خارج عن معنى قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: ٤٩]، فأخبر سبحانه باقتتالهم بعد دخولهم في الإيمان، وأهل العصر عن ذلك بمعزل، إنما هي في أصحاب صفين والجمل والنهروان، القائمين بفرائض الرحمن، وشرائع الإيمان، الذين قطعوا الليل بتلاوة القرآن، وفاضت أعينهم بالدموع