[أحكام تخص دار الفسق]
  وهل الحرج أيده الله إلا أن يقود صاحب الأمر بالعساكر، ويركب الأخطار، ويخوض الأهوال، حتى إذا وصل المدينة التي هي قصبة ملك الفاسقين، وفيها بلا بُدّ منازل المستضعفين، طلب تمييز بعضها من بعض، ليقع الخراب في منازل المجرمين، والنهب لأولئك المستحقين، وذلك ما لا يمكن فيما نعلمه ويعلمه أهل ممارسة هذا الشأن من المسلمين، بل إذا صار إلى مدن تهامة وما جانسها التي هي الخيام وهو يعلم أنها أكبر معونة للفاسقين أيحرقها بالنار أم يدعها على حالها لشأن حال تلك المنازل النادرة التي لا حكم لها، فأما لو قدر إمكان تمييزها وانفصالها لانفصل حكمها وتميز اسمها، فقيل: دار المستضعفين.
  وقلنا: يكون ذلك محنة لهم: لأنهم غير مستحقين، فأما الغرامة لهم فهي مبنية على الإمكان، وسعة مال بيت المال، فإن لهم فيه حقّاً، وإن لم تغير منازلهم ولا تهلك أموالهم، وإن كانت الأموال متقاصرة لم يجب ذلك، وأوثر بها المجاهدون لحماية البيضة، ودفع الأهم الأكبر من الضرر، وطلوع منار الحق، وقد علمت أن الناصر # لم يَدِ أهل قلعة شالوس، وقد قُتلوا في أمانه، وقد قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[الأنفال: ٩١]، ولم يطعن بذلك عليه أحد من الزيدية ولا غيرهم من أهل العلم، وخصوا عموم ذلك بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٨]، وغرم الهادي # لأهل عفارة مجهولاً عن مجهول ولم يغرم لغيرهم في مثل ذلك، وقد ذكرنا ذلك مستوفى في كتاب (الأجوبة الكافية بالأدلة الوافية)، وبينا ما ظهر لنا من علل الاختلاف.