السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تغنم ما وراء العسكر في دار الفسق]

صفحة 318 - الجزء 1

  استطاب نفوسهم أو سألهم إياها فإنما ذلك استطابة لأنفسهم، واستصلاح لدهمائهم؛ لأنه لو كان حقاً متعيناً لوجب أن يشاور عزيزهم وهينهم، وهم يوم حنين اثنا عشر ألفاً، وذلك متعذر ولم يؤثر عنه #، ولأنه فاضل فيه بغير مشاورة، ولم يُلْحِفْهُ أهل العناية في القتال ولا الصلاح في الدين.

  وأما ما يعترض به من فعل علي # في الجمل، وأنه لم يعرض لما وراء العسكر.

  فإنا نقول: إن ذلك لرأي تقوى عنده أن لا يعرض لما وراء عسكرهم، واستصلاحاً لعشائرهم، وقد كانت البلوى عليه - سلام الله على روحه - شديدة أشد من بلوى سائر الوصيين، وكانت أحكامه عجيبة البواطن، عميقة المواطن، لا يعرف جليتها إلا المستحفظون من أهل بيته عليه وعليهم السلام، ومن اقتبس من أنوارهم، ألا ترى أنه لما سأل عن أمر عثمان، - وهي أعظم نازلة نزلت في أيامه، وكانت عامة الأمة مستعظمة لدمه استعظاماً جاوز حده، وخاصتها كالمرخصة في أمره، أخفهم حكماً فيه من سكت - بقي بين أمرين صعبين: إن صرح بتصويب قاتليه تقوت عليه فتنة العامة وركبته دهماؤها، وإن تبرأ منهم نفرت عنه الخاصة، ففزع إلى ما هو مشهور مأثور من قوله: (ما كرهت ولا رضيت، ولا سرني ولا سآءني، ولا أمرت ولا نهيت)، إلى غير ذلك حتى قيلت فيه الأشعار، وقطعت به الأسمار، وعلى ذلك يحمل رده لمتاع أهل النهروان وعبيدهم وإمائهم استصلاحاً لعشائرهم وتألفاً، وتقريره قول القائل:

  ليس ما ضمت البيوت بفيء ... إنما الفيء ما تضم الأواري