وأما الكلام في الوجه الثالث:
  وبعضهم بالمشرق، وتشتتوا تحت كل كوكب، وفيهم العلم ووراثة النبوة، وليس لكل منهم تصنيف مع علمه، وقد كان خلافهم لأهل زمانهم ظاهراً، حتى إن سليمان بن جرير تقدم إلى إدريس بن إدريس فناظره في مسائل فخالفه إدريس # فسمه في سمكة مشوية، فلما أحس الحادثة، قال: ائتوا بسليمان، قالوا: ما وجدناه، قال: الحقوه فإنه قتلني، فلحقته الخيل والرجال فلم يلحقوه، وقيل: لحقه بعضهم فامتنع منهم وقد أصابوه، وقيل: حج رجلان من أهل المغرب فلقياه، فقال أحدهما للآخر: وما نبغي من الحج وهذا الذي قتل ابن نبينا ونور بلدنا، فهو أفضل من الحج فقتلاه.
  فإذا كان هذا حالهم مع من يأخذ منهم العلم ويعتزي إليهم، فكيف حالهم مع الظلمة الذين يَسْتَبِقُون لسفك دمائهم؟ وهل تمكنوا من تعليل أو تفصيل؟.
  فإن يكن واحد فما علمك بما عند الثاني، وهي مسألة اجتهاد فمن سمع خلاف قوله لم يتشدد في إنكاره، فأما أنهم تمكنوا فلم يفعلوا، ولو اعتقدوا لفعلوا، فمتى تمكنوا ومن أين لهم التمكن؟ وهم ينقلون من سجن إلى سجن، ويقتلون أنواع القتل على أمرهم بالقسط، كما قال أبو جعفر المخذول الملقب بالمنصور، لمحمد بن إبراهيم بن الحسن [الملقب باللجين]: أنت الديباج الأصفر، - كان يسمى الديباج الأصفر لحسنه -، قال: نعم، قال: والله لأقتلنك قتلة ما قُتل أحد قبلك مثلها، فوفى يمينه وبني عليه حيّاً بين أسطوانتين، فلم يتمكنوا - والحمد لله - من فعل، ولا تملكوا أمراً في ذلك فتؤثر عنهم سيرة.
  فأما من قام منهم بالأمر وتصرف بعض تصرف، فهم نوعان:
  منهم من لا يرى ذلك، أعني: ما رأيناه من أخذ القرى واستباحة أموال الفساق التي وراء عساكرهم، وهم من ذكره الشيخ الأجل أيده الله.