[الإنكار على الغلو في أمر الطهارة]
  وفي الخبر حذف تقديره: مما ذكرتِ، وهذا الحذف مثله في كلام الفصحاء كثير، ومثله في كتابه سبحانه، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه، فأقل أحوال المسلم أن يكون في جنب أخيه بمنزلة زوجة النبي ÷ في جنب النبي #، وإن كان الأمر - والله محمود - لا يتقارن، وهو ÷ في الغاية من شرف النفس وتحري الأصلح، فيمنعه من ذلك أن توضأ بفضل طهورها، وإذا طهر الأعلى بفضل طهور الأسفل، فالمساوي أولى بذلك، فأما طهور الأسفل بفضل طهور الأعلى فمما لا كلام فيه، وإنما أخذ هذا الأمر عنه.
  وكذلك روينا في حديث أم سلمة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله ÷ من إناء واحد(١).
  وهذا دليل على استرساله ÷ إلى من ظهر له إسلامه، وإن لم يقارنه في الرتبة، ولا يقطع على غيبه، ولو روينا ما بلغنا في ذلك عنه # في هذا الباب لخرجنا إلى الإسهاب، وإن كنا لم ننقل من ذلك إلا قليلاً، وإنما تعبدنا بحمل أمور المسلمين على الصحة والسلامة ما أمكن، ولا ملجئ على الحمل إلى غير ذلك، بل لا يجوز خلافه.
  ومما يؤيد ما قدمناه: ما روينا عن أمير المؤمنين # أنه قال: عاد رسول الله ÷ - وأنا معه - رجلاً من الأنصار فتطهر للصلاة، ثم خرجنا فإذا نحن بحذيفة بن اليمان، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه، فأقبل إليه، فأهوى رسول الله إلى ذراع حذيفة ليدعم عليها، فنخسها حذيفة، فأنكر ذلك رسول الله
(١) رواه المؤيد بالله في شرح التجريد (١/ ١٠)، والإمام أحمد بن سليمان في أصول الأحكام (١/ ٨) رقم (١٤)، ومسلم (١/ ٢٥٦)، والترمذي (١/ ٩١) رقم (٦٢)، ورواه غيرهما عن عائشة وميمونة.