السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

إلحادهم في أفعاله تعالى

صفحة 368 - الجزء 1

  قالوا: إنه تعالى لم يقصد فعل شيء بعد الأصول وهي عندهم الماء والهواء والريح والنار، فقالوا في ذلك بقول الفلاسفة الطبيعية إلا أن الفلاسفة⁣(⁣١) أكثر تحقيقاً منهم في الكفر.

  قالوا: قلنا تحصل هذه الحوادث بإحالات الأجسام واستحالتها فإذا طولبوا بالإحالة ما هي؟ لم يتحققوها شيئاً معلوماً.

  قلنا: فنحن نرى في هذه الحوادث من الأعاجيب الفائقة، والصور البديعة الرائقة، والصناعة الدقيقة المحكمة، ما يبهر كل عقل وافر، ويدل على الصانع الحكيم القادر، وبعد فما به شيء من هذه المحدثات إلا وقد أخبر الحكيم سبحانه بإحداثه ولم يكل تدبيره إلى غيره من الزروع والثمار والفواكه والأشجار قال تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ٢٤ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ٢٥ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٢٦ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ٢٧ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ٢٨ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ٢٩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ٣٠ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ٣١ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٢}⁣[عبس]، وليس من نبات على وجه الأرض إلا ونحن نستنفع به أو يستنفع به شيء من الحيوان، وأخبرنا سبحانه بأنه تولى صنعه ولم يكل ذلك إلى غيره، والمتقرر من مذاهبنا ومذاهب آبائنا بل من دين كافة أهل الإسلام أن العالم لو خلا من تدبيره تعالى طرفة عين لفسد وتغير وانهار وتكور، وبعد ذلك فلو جوزنا وجود كراع نملة أو أقل جزء ورقة نَقُلْهُ صنعاً لغير الله


(١) الفلاسفة: وهم أشد الفرق على الإسلام ضررا، وأعظمهم مكيدة وعداوة، فلا يوجد في الإسلام بدعة إلا وهم أصلها وأساس عمادها، ولا فتنة إلا وهم رأسها وقاعدة مهادها، يتمسكون بعقائد فاسدة وأقوال كاذبة، ويزعمون أنهم أهل النظر والآراء الصائبة والأنظار الثاقبة، يروجون الأقوال لكي يهدموا الاسلام، ويثبتوا التعطيل وهم أحد الفرق الطبائعية التي تزعم أن الأشياء الوجودية إنما كانت بطبائع اختصت بها وقوى موجودة فيها، وزعموا أن أصل الأمور الطبائعية هي (الماء والهواء والأرض والنار) وأنها امتزجت وتشاكلت وتفاعلت فيما بينها فحصلت عنها هذه الموجودات، فنفوا الخالق تبارك وتعالى.