[حكم مكة قبل الفتح وحكم بقاء المؤمنين فيها]
  الكفر بغير ذمة ولا جوار، وهذا حكم كل دار يظهر فيها كلمة أو كلمتان ولا يفتقر قائل ذلك إلى ذمة ولا جوار، فإنها دار كفر بلا إشكال بين أهل العلم.
  وإنما كان وقوف المؤمنين قبل الهجرة بإذن من الله تعالى، بل أمر الله رسوله بالإقامة فيهم ليبلغ الرسالة إليهم؛ إذ لا يتأتى ذلك مع الانفصال، وأمر بأن يأمرهم بالهجرة إلى الحبشة ففعل ذلك، وأُمر بأن يأمرهم بالهجرة إلى يثرب ففعل ذلك، ثم أمره بلحاقهم فلحق، ثم وجبت الهجرة فلم يتخلف عنها من له قدرة من رجل ولا امرأة، وبقي الذين لا يحسنون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، فرخص لهم القرآن الكريم في ذلك.
  فقوله: لم يكن فيها مسلم:
  خلاف المعلوم بالاتفاق؛ لأنا نعلم بقاءهم فيها ودلت عليه آية الفتح وهو قوله تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الفتح ٢٥]، وهؤلاء هم المستضعفون.
  والوجه الثاني: هو معلوم ضرورة أنها كانت دار كفر في حال كون النبي ÷ والمؤمنون فيها يظهرون الإيمان، ولكن الأظهر والأغلب الكفر، وكانت دار كفر لأن الحكم الشرعي للأغلب والأكثر أبداً، لا يختلف الفقهاء في ذلك ولا يتنازعون.
  وأما تعظيم البيت حرسه الله فلا إشكال في تعظيمه في الجاهلية والإسلام، وهذا كله تأكيد لما ذكرنا في أن صنعاء وغيرها مما غلب عليه الكافرون سواء كان الكفر تأويلاً أو تصريحاً، فإنها تكون دار كفر ومسجد صنعاء مؤسس على التقوى وهو مسجد في جميع الأوقات وله حرمته، وكذلك ما عمره المؤمنون فيها من المساجد فهو كذلك له حرمته، وذلك لا يمنع من كونها على ذلك دار كفر، ولا يمنع كون المؤمنين فيها إلا الإذن أو ضعف أو عجز من كونها دار كفر، وللمؤمنين المأذون لهم