مصباح المشكاة في تثبيت الولاة
  وإياك أن تحتجب عن رعيتك حجاباً غليظاً فإن ذلك ينفرهم منك، ولا تختلط بهم اختلاطاً شديداً فإن ذلك يجريهم عليك.
  وعليك بمشاورة ذوي الأحلام والحكماء، كل منهم في بابه الذي هو له:
  فأهل العلم في ما احتجت إليه من باب العلم.
  وأهل الحرب في ما نجم عليك من أهل الحرب.
  وأهل الودائع والضياع فيما يتعلق بباب الخراج.
  وأهل التجارة فيما تفتقر إليه من معاملة أهل التصرف من قبلك في الأموال.
  وعليك بإفشاء السلام على الصغير والكبير، ممن وقعت عينك عليه بعد الخروج من منزلك حراً كان أو عبداً، فإن ذلك يحببك إلى رعيتك، ويحل سخائمها عليك.
  وإذا نجم عليك حرب فعليك بالتبصر، ولا تشاور في أمرك شجاعاً مشهوراً لا يعرف ماهية الخوف، ولا جباناً منخلعاً يحاذر كل شيء، وإذا نجم عليك ناجم فأَذْكِ عيونك على الناجم عليك، ولتكن عيونك أهل الرجاحة والكمال والعقل والشدة، وتعرف أخبار من عندك من جهة عدوك، فإنك تجد علم ذلك عنده، وكن في الحرب كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب، وكالمتاجر الظريف الحاذق، لا يخرج رأس المال حتى يكن على الربح، ولا تَثُب حتى تعرف موقعك وتمكنك فرصة عدوك، فكم من واثب إلى مهواة لم يطلع منها، وكن مع عدوك كمخمد النار، إن أخمدها من أطرافها فبالحري أن تخمد، وإن حاول إخمادها من وسطها أخمدته.