فائدة في التفضيل بين الأولاد
  يؤخذ من هذه الآية أنه ينبغي البعد عن مضار العباد، والحذر منها.
  وقيل: إن يعقوب أمر أولاده بذلك لأنه خشي عليهم العين، فيؤخذ من ذلك حقيقة العين، انتهى.
  وأقول: الذي ظهر لي أن الإنسان هو الذي يضر نفسه، لا أعين الناظرين فلا تأثير لها؛ وشرح ذلك: أن الإنسان قد يعجب بنعمة الله عليه: صحةٍ في البدن، أو كثرة في المال، أو في الأولاد، أو في غير ذلك، وقد يزداد إعجابه بذلك حين يرفع الناس إليها رؤوسهم ويمدون أعينهم، هنالك قد يقع المكروه بصاحب تلك النعمة، أو بزوالها، أو فسادها.
  فلو أن صاحب النعمة عندما رفع الناس رؤوسهم إليها ذكر نعمة الله وشكره عليها لم يقع به سوءٌ ولا مكروه، ومن هنا قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}[الكهف ٣٩]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ٢٥ ...}[التوبة]، وقال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ٧}[إبراهيم].
  ومن هنا أيضاً فإن الذي يُعَرِّض النعمة للزوال والفساد و ... إلخ هو الغفلة عن شكر الله تعالى وحمده وذكره عموماً وخصوصاً في تلك النعمة.
  فما قدمنا من الآيات الثلاث دليل على ما قلنا من أن الإنسان هو الذي يضر نفسه، لا أعين الناظرين، ومثل ذلك ما حكاه الله تعالى عن قارون وإعجابه بما آتاه الله من النعم: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ٧٦}[القصص] ... إلى قوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}[القصص: ٨١]، فلم تكن أعين الناس هي التي جرت عليه البلاء، وإن كانت هي السبب في زيادة فرحه وإعجابه بما آتاه الله تعالى من النعم.
  إذاً فالسبب في زوال النعمة هو الإعجاب والفرح الذي ينسى معه شكر الله تعالى وحمده وذكره.