الرسالة الأولى: الناصحة المشيرة في ترك الاعتراض على السيرة
  الخلق بعد محمد صلى الله عليه وعلى آله أجمعين، فقال فيه أهل العلم والدين والعبادة ما علمه الخلق أجمعون، حتى أخرجوه من دائرة المسلمين، وتعدوا فيه حدود رب العالمين.
  ثم تلاه ولد رسول الله صلى الله عليه، وأشبه الخلق به في خلقه وحلمه وهيئته وسؤدده، الحسن بن علي ÷، وهو أحد الخمسة المعصومين في هذه الأمة، فلما كان منه من صلح معاوية ما ألجأته المقادير إليه، لقيته شيعته وشيعة أبيه خصوصاً - فما ظنك بغيرهم؟! - فقالوا له بلسان واحد: يا مذل المؤمنين، يا مسود وجوه المسلمين، فلما سمع # ذلك الكلام منهم دخل المسجد وارتقى المنبر وكان منه من الكلام:
  (أيها الناس، والله ما بين جابرس وجابلق ابن بنت بني غيري وغير أخي، فليكن استماعكم لكلامي، على قدر معرفتكم بحقي، إنا كنا نقاتل وفينا الصبر والحمية، فقد شيب الصبر بالجزع، وشيبت الحمية بالعداوة، وإنكم قد أصبحتم بين باكيين: باك يبكي لقتيل صفين خاذل، وباك يبكي لقتيل النهروان ثائر، وقد دعيتم إلى أمر ليس في رضا ولا نصفة، فإن كنتم تريدون الله واليوم الآخر حاكمناهم إلى ظبات السوف وأطراف الرماح، وإن كنتم تريدون البقية أخذنا لكم العافية).
  فتنادى الناس به من جوانب المسجد: البقية البقية، فسلم الأمر جملة لمعاوية بن أبي سفيان، وأعطاه البيعة وهو صاحب الأمر دونه، وأولى الخلق بالخلق.
  فقد رأيت كلام أهل الجهالة، وكلام بيت النبوة ومعدن الرسالة، وإذا جاز تركه للأمر جملة مع وجوب الإمامة له بنص النبي صلى الله عليه لهذه الموانع، فمن أين لا يجوز ترك بعض الأمر لهذه الموانع؟.